أخطر ما تمر به الشعوب والمجتمعات هو غيابهم عن الوعي عما يجري ويدور حولهم، فتقدُّم الإنسان وتطوره يبدأ من وعيه لحاله ووضعه وتشخيص واقعه والتفاعل مع بيئته وتجيير كل ما يتوفر حوله من طاقات وإمكانيات من أجل تغيير واقعه نحو الأفضل ومواجهة التحديات والصعاب التي تواجهه. ولربما هذا ما نحتاجه في سياسة الإعتماد على الذات والإبداع والإتيان بكل جديد.
فالخطوة الأولى التي ينبغي العمل عليها هو رفع حالة الوعي لدى الناس أو بما يسمّى بصناعة الوعي، فليست الصناعة هنا بالمفهوم التقليدي الذي نعرفه ولكن هناك صناعة من نوع آخر وهي أم كل الصناعات لأنها تجدِّدُ فكرَ الإنسان وتفتح آفاقه وتعيد له وعيه الطبيعي وتوازنه، فيفهمَ كيف تَدور وتُدار الأمور من حوله ولا يكون مقاداً بل قائداً مؤثراً، له فكره وعمله وبصمته التي تسهم في النهوض بالمجتمعات والرقي بها.
وأخطر أنواع إتلاف الوعي قد يتأتى نتيجة هدر الطاقات الذهنية لدى الإنسان بإنشغاله أو إشغاله بأساسيات الحياة التي لا يمكن القفز عنها أو بإشغاله بأفكار وأيديولوجيات تُميت بل تقتل الوعي فيه وتتلفه، فلا يَعُد قادراً على الإنتاج أو الإبتكار أو التجديد، مما يعيد عجلة الحياة إلى الوراء لا الأمام وإلى المستقبل وإلى ضرورة الإنفتاح على معطيات الحياة الجديدة ومتغيراتها التي وجب الإشتباك معها إيجابياً من أجل تحسين نوعية الحياة وابتكار طرق وأساليب جديدة حديثة تساعدنا في مواجهة التحديات الجديدة الناشئة والتي تتطلب وعياً سليماً وتوجيها لطاقاتنا الذهنية بدلا من أن تذهب هدراً من غير نفع أو فائدة.
ويبقى أسهل طرق التحكم في الشعوب هو إتلاف الوعي عندها لتاريخها وتراثها وحضارتها وروحانيتها، فتصبح مجرّدةً من أصولها ومن جذورها ومن عمقها فيسهل التحكم بها بسهولة. لذلك، فالمسؤولية الوطنية والدينية والمجتمعية هي أن نكون صنّاع الوعي، نبّث الأفكار والمفاهيم التي تسهم في زيادة وعي الناس لذواتهم وهويتهم وتراثهم.