مسجد قديم شاهد على أغلب مراحل نشوء المملكة منذ ثلاثينات القرن المنصرم ... هذا المسجد القابع على سفح جبل النظيف الجنوبي في العاصمة عمان بناه الشاب "عبدالرزاق إسعيد الخليلي" فوق رابية مشرفة على رأس العين عام 1936م حيث كانت عمان تعيش تداعيات الحرب العالمية الثانية.
يسمى المسجد رسميا مسجد عبدالرزاق ... إلا أن العمانيون كانوا يسمونه وقتئذ مسجد الشيخ رويزق .. ويشبه المسجد بحالته وهيئة في هذه الأيام " الشيخ الفقير الحافي الظهر رث الثياب يتوكأ على عكاز ضعيف ... ان حضر لا يلتفت إليه وإن غيِّب يوما لن يذكره أحد, وهو ما زال يصارع الزمن "الذي أكل عليه وشرب"!!.
مسجد عبد الرزاق لا يتميز بأي بناء عمراني بالمفهوم الحضاري وجماليته ... هو مجرد بناء تقليدي أقيم على طريقة بناء البيوت الفقيرة السائدة في عمان مطلع القرن العشرين أي بالطين والحصى والأوتاد .. لكنه وسع لاحقا وأضيفت اليه الأعمدة الاسمنتيه وبعض قطع الحجر... وهو الان محاط من شماله ويمينه بالمنازل والادراج يكاد لا يرى إلا من علو .. بعد ان كان فريدا مطلا لا تحيط به إلا إشجار الكينا منذ زمن بعيد.
إلا ان الأماكن على - الأقل من وجهة نظري - تكتسب قيمتها من قيمة الانسان والمجتمعات ... وليس من المادة بشكل محض ( أقصد الذكريات) .. وكما مر آنفا فإن مسجد الشيخ رويزق شهد على مراحل هامة في الحياة الاجتماعية – البسيطه نسبيا- لعمان خصوصا في النصف الأول من القرن العشرين.
كان الشيخ عبدالرزاق ممن برزوا في مجتمعهم وتفاعل مع الناس.. وذلك عبر مسجده في نشاطات اخرى غير الدينية ... و وفقا لكثيرون ممن كتبوا حول تاريخ عمان عن هذا الشيخ (الذي لا أعرفه) انه مثلا كان يمارس دور الطبيب النفسي أحيانا "لبعض الاضطرابات النفسية"
في وقت عز فيه الطبيب البشري فضلا عن الاطباء النفسيين .. حيث يقال "ان الأمهات كن يعرضن اطفالهن المرضى ليقوم الشيخ رويزق بقراءة القرآن الكريم وقضايا من هذا القبيل" ... وكان كذلك يقوم بدور المصلح بوصفه رجل دين ... حيث ذكر الروائي الراحل عبدالرحمن منيف في ذكرياته عن عمان في هذا الصدد وذكر بعض كبار السن ان العامة كانت تراه من أولياء الله.
ومن الاحداث التي وردت عن ذكريات مسجد عبدالرزاق ... فيضان السيل في الاربعينيات حيث اشتد هطول الأمطار واحدثت فيضان أغرق ما حوله وهذا ما شكل خطرا على البيوت الطينية على ضفاف السيل والمقاربه له .. حيث استقبل المسجد المقام على تله مرتفعة الأهالي وأقاموا فيه فتره من الزمن وبعض الأهالي لجأ الى كهوف جبل النظيف.
لا شك ان ثمة ذكريات انسانية كثيرة لبناء مجتمعي مثل مسجد الشيخ عبدالرزاق شهدها عبر أكثر من 80 عام .. لا نعلم عنها ... إلا ان الإمعان في هذا المسجد القديم عند مرورك من رأس العين في العام 2017 يروي لك صفحة طويت من تاريخ العاصمة عمان.