في هذه الأيام من شهر رمضان المبارك، الذي تُنتهك بها حرمة الأماكن المقدسة، وتّدنّيس فيه ساحات المسجد الأقصى من قبل قطعان اليهود، تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، خلافا لما جاء في اتفاقية وادي عربة المشؤومة، دون رد فعل عملي من قبل الأمة العربية، نتذكر أولئك الرجال الذين دافعوا عن القدس وأماكنها المقدسة في حرب عام 1948، ومن أبرزهم حابس المجالي وعبد الله التل عليهما رحمة الله. وإن كنت قد تحدثت قبل أيام عن حابس المجالي بطل معارك اللطرون وباب الواد، فلابد لي من التحدث اليوم عن رفيقه عبد الله التل بطل معركة القدس.
فعندما أمر الملك عبد الله الأول عبد الله التل ، بالتوجه على رأس كتيبته السادسة لإنقاذ القدس، انتقلت الكتيبة بتاريخ 15 / 5 / 1948 إلى منطقة الخان الأحمر والجفتلك وجسر داميا كمرحلة أولى. وعندها أصدر قائد الكتيبة الأمر اليومي التالي إلى سراياه، يحفّزهم به على القتال في المرحلة القادمة :
صراحة نيوز | اخبار - الاردن
عبد الله التل بطل معركة القدس
Home أقلام
صراحة نيوز – موسى العدوان
في هذه الأيام من شهر رمضان المبارك، الذي تُنتهك بها حرمة الأماكن المقدسة، وتّدنّيس فيه ساحات المسجد الأقصى من قبل قطعان اليهود، تحت حماية الشرطة الإسرائيلية، خلافا لما جاء في اتفاقية وادي عربة المشؤومة، دون رد فعل عملي من قبل الأمة العربية، نتذكر أولئك الرجال الذين دافعوا عن القدس وأماكنها المقدسة في حرب عام 1948، ومن أبرزهم حابس المجالي وعبد الله التل عليهما رحمة الله. وإن كنت قد تحدثت قبل أيام عن حابس المجالي بطل معارك اللطرون وباب الواد، فلابد لي من التحدث اليوم عن رفيقه عبد الله التل بطل معركة القدس.
فعندما أمر الملك عبد الله الأول عبد الله التل ، بالتوجه على رأس كتيبته السادسة لإنقاذ القدس، انتقلت الكتيبة بتاريخ 15 / 5 / 1948 إلى منطقة الخان الأحمر والجفتلك وجسر داميا كمرحلة أولى. وعندها أصدر قائد الكتيبة الأمر اليومي التالي إلى سراياه، يحفّزهم به على القتال في المرحلة القادمة :
شاهد أيضا
أقوى رسالة من الدولة
25 دينارا بثلاثة أشهر حبس
رداً على الذين يحاولون الإساءة لمعان و رجالاتها و تاريخها ..
” أيها الضباط وضباط الصف والجنود في الكتيبة السادسة. إن مصير العالم العربي يتوقف على ثباتكم وشجاعتكم وصبركم. إنكم ولا شك ستحافظون على سمعة الجندي العربي، الذي إذا هاجم لا يهاب الموت، وإذا دافع لا يتراجع حتى النهاية. لقد دنت الساعة التي تمكنّنا من الانتقام لدير ياسين التي انتهكت أعراض بها. هيا لتبييض أعراض العرب بالدماء والله ينصركم ".
في 17 / 5 / 1948 صدرت الأوامر للكتيبة السادسة بإخلاء مواقعها في الخان الأحمر، والتوجه لإنقاذ القدس من أيدي العصابات اليهودية. وهناك قام عبد الله التل بالاتصال مع حلمي باشا وبالنقيب فاضل قائد قوات الإنقاذ الفلسطيني في القدس، وبخالد الحسيني قائد قوات الجهاد المقدس، واتفقوا على توحيد القيادة وتسليم عبد الله التل مسؤولية الدفاع عن القدس. باشر عبد الله ممارسة القيادة على هذه القطعات إضافة للكتيبة السادسة وأطلق على قائدها اسم ” قائد القوات العربية في القدس ".
خاض عبد الله التل بقواته العديد من المعارك في القدس بنجاح، فقام رئيس أركان الجيش الأردني الجنرال كلوب بأول زيارة له بتاريخ 21 / 6 / 1948. وحينما وصل إلى قيادة الكتيبة السادسة في منطقة الروضة بأطراف القدس، واستمع إلى إيجاز عن الموقف الراهن من قائد الكتيبة، هنأه على النجاح الذي أحرزه بالقوات العاملة تحت إمرته وخاصة الكتيبة السادسة.
وهنا فاجأ كلوب عبد الله التل، بتقديم هدية مغرية له، وهي إجازة لمدة شهر أو شهرين، يقضيها التل في فرنسا أو بريطانيا على حساب الجيش. وعلّل السبب في هذه الهدية، بأنها تقديرا للجهد الذي قام به في المعارك الماضية، مما يستدعي أن يمنحه وقتا للراحة والاستجمام، في مكان بعيد عن المتاعب وصخب القتال. وترك للتل أن يختار أي من المكانين يرغب بقضاء الإجازة فيه.
دُهش التل لهذا الكرم العجيب من كلوب ولكنه لم يتأخر في الرد عليه، حيث أدرك التل القصد المبطّن من وراء هذه الهدية فاعتذر عن قبولها. وبيّن لكلوب أن الحالة لا تسمح له ( بشمّ الهوا والاستجمام ) فضميره لا يقبل أن يترك زملاءه من الضباط والجنود في حالة قتال مع العدو في القدس، ويذهب هو للسفر في إجازة للترويح عن النفس. قبِلَ كلوب هذا العذر على مضض، وقام بإرسال رسالة تقدير له ولكتيبته.
لقد كان عبد الله التل يتوقد حماسا ووطنية وانتماء للقضية الفلسطينية، والدفاع عن الأراضي المقدسة، وكان لاسمه صدى يتردد في القدس وخارجها لم يتوفر لغيره من العسكريين أو السياسيين. وخير شهادة هي ما شهد بها العدو لأنها تكون صادقة وبعيدة عن العواطف. وهذه شهادة الجنرال الإسرائيلي ديان بعبد الله التل، التي أوردها في مذكراته ” بعنوان صديقي العدو ” :
” عندما قابلت عبد الله التل، ترك انطباعا في نفسي بأنه كان متفوقا جدا على الضباط والسياسيين العرب الآخرين الذين واجهتهم في تلك الفترة، فقد كان عبد الله التل يكره المسئولين الإنجليز الذين كانوا الحكام الحقيقيين في عمان، وكان يحتقر أصدقاءه الذين كانوا يتملقون وينافقون لهم . . . "
في مسا يوم 24 / 4 / 1949 غضب الملك وثار على عبد الله التل، لأنه لم يلبِ رغبة جلالته في الذهاب إلى محادثات رودس مع اليهود. وقد رد التل على الملك، بأنه لم يشأ أن يلوث تاريخه في القدس، بالاشتراك في مفاوضات الهدنة والتوقيع على أية اتفاقية، لأنه يرغب في أن يظل جنديا بعيدا عن هذه المسائل. وأنهى عبد الله التل حديثه بأن رجا جلالته إعفاءه من الخدمة. فثار الملك وكرر قوله القديم: ( أنت سيفي وسندي ) رافضا قبول استقالته.
يقول عبد الله التل : كنت ضابطا من ضباط الفريق جلوب قائد الجيش العربي الأردني ،وأكرمني الله بأن أكون قائدا للكتيبة التي أنقذت مدينة القدس وما فيها من مقدسات إسلامية ومسيحية من دمار محقق. وحين انتهت الحرب عينت بوظيفة مدنية هي حاكم منطقة القدس ثم متصرفا للمدينة، فأتيح لي بحكم عملي السابق في الجيش وعملي اللاحق في الحكومة، أن أطلع على خفايا السياسة التي سيّرت الحرب الفلسطينية.
استقال عبد الله التل من الخدمة برتبة مقدم عام 1949، وهاجر إلى مصر لمدة 18 عاما، ثم عاد إلى الأردن بعفو ملكي، وعُين محافظا في وزارة الداخلية ثم عضوا في مجلس الأعيان، إلى أن توفاه الله علم 1973. رحم الله القائد عبد الله التل بطل معركة القدس، ورحم الله رفاقه من ضباط وجنود الكتيبة السادسة، وجميع من ساهم في حروب الأردن أمواتا وأحياء، وأتمنى أن نحافظ على إرثهم الذي صنعوه لنا خلال حياتهم . . !