نيروز الإخبارية : "كل من كتب للوطن؛ فإنه بالضرورة أراد أن يعبر عن محبته لهذا الوطن، لكن هناك معايير لإشهار وإطلاق هذه الكلمات". بهذه الكلمات عبّر أمين النشر في رابطة الكتّاب الأردنيين الشاعر المعروف محمد خضير عن سخطه البالغ وموقفه من الأغنية الوطنية التي يرى بأنها لا يمكن أن تكون سلعة يفيد منها كاتبها أو مغنيها..
- هل افتقدت الأغاني الوطنية إلى حسّها الوطني الأصيل؟
من أسّسوا للأغنية الوطنية؛ ذهبوا إلى إبراز ثقافة الوطن وجمالياته، عبر كلمات مشحونة بالعاطفة البعيدة عن المواربة، فالأغنية الوطنية مثابة المرآة التي يحتاجها من يقف أمامها، سواء داخل الوطن أو خارجه. وما حصل من تغيرات على طبيعة الأغنية ورسالتها جعل من المرآة مجرد ماء عكر، يُظهر صورة من يقف أمامه؛ لكنها صورة رجراجة أحيانًا. وسبب فقدان الأغنية هذا الحسّ هو الرغبة الكامنة عند البعض في إبراز شعراء يسعون إلى الشهرة والكسب، على حساب من يملكون أدوات المحبة المجانية.
- ما رأيك بأن الأغاني الوطنية تجرّدت من وطنيتها وأصبحت تجارة؟ ما تقييمكم لها؟
لا يمكن لأغنية تحمل الحب، أن تكون سلعة يفيد منها كاتبها أو مغنيها، وما جعل الأغنية تتجرد من وطنيتها، هو ادّعاء هذا الحب المفضي إلى المال والشهرة، وأنا أتكلم هنا عن بعض وليس كل من كتب وغنى للوطن، وإذا استطعنا وضع الأغنية في ميزان الحساب، فإننا سنقف أمام كفة مائلة على حساب تلك التي ترتفع وهي محملة بالقليل بعد أن أسقطنا مفهوم الحب، وذهبنا إلى الواسطة والمحسوبية من أجل أن نتغنى بالوطن! فلا يمكن لكلمات تأخذ مكانها بالمحسوبية أن تكون على قدر الوطن الذي يعاني من إفراط اليد الطولى والقادرة على وضع القريب مكان المستحق.
- هل مفردات الأغاني الوطنية تعكس الهدف المنشود منها؟
كل من كتب للوطن؛ فإنه بالضرورة أراد أن يعبر عن محبته لهذا الوطن، لكن هناك معايير لإشهار وإطلاق هذه الكلمات. واستطعنا سابقًا أن نبرز قوة الأردن عبر كلمات مستوردة وناعمة مثل "في حجم بعض الورد إلا إنه لك شوكة ردّت إلى الشرق الصـبا"، وهذه الأغنية لا بد آتت مرادها بعد أن انتشرت عربيًا، فتركت أثرها في نفوس العرب قبل الأردنيين أنفسهم، لكننا اليوم أمام أغانٍ كثيرة تجتر نفسها وفكرتها، بعيدًا عن تقديم الجديد، بحيث أن هناك تخوّف من فكرة العزوف عن الأغنية الوطنية بعد أن صارت مجرد وسيلة لبعض من كتبوها وغنوها فيبقى هدفها المنشود في جعبة المنتج بعيدًا عن رغبة المواطن الشغوف.
- لماذا لا تزال الأغاني القديمة محفورة بذاكرتنا حتى الآن ونتذكرها بكل مناسبة وطنية؟
من أجل أن نتجاوز مرحلة ما من الجمال؛ فإنه يجب أن نصنع حاضرًا أكثر جمالًا، وسبب التصاق الأغاني الوطنية القديمة في ذاكرتنا؛ هو أننا لم نستطع تقديم ما هو أجمل. وهذا لإننا كنا نعتني بالكلمة حتى لو كانت من شاعر غير أردني، أما الآن فإننا نحرص على صناعة الأغنية مكتفين بجودة منتجنا الشعري والغنائي، متكئين على اسمين أو ثلاثة من الفنانين، ناهيك عن طريقة تسويق الجديد من الأغاني التي تنحصر داخل فضاء محطاتنا المحلية، وسببه أن الأغنية اختصرت نفسها على المحلي، من غير الذهاب إلى لغة الإنسانية التي هي أشمل.
- هل تحتاج الأغاني الوطنية إلى من ينقذها؟ وكيف؟
إنقاذ الأغنية يأتي من الحرص على منتجنا المحلي بعيدًا عن الرافعة التي ترفع البعض على حساب الوطن، فنحن نحتاج إلى لجنة خاصة معنية بهذه الواجهة الفنية التي تعكس صورة الأردن في عيون الأردنيين والعرب، وهذا لا بد له من لجنة محايدة واعية بالشعر والموسيقى، وحريصة على إنتاج فعل فني منافس، وأقترح أن يكون هناك مسابقة لرفد خزانة الأغنية ببعض القصائد القادرة على صنع الفعل الجمالي والحب، فالمستمع لما يتم بثه اليوم يشعر بأن الأردن على حافة حرب دائمة لا تنتهي، نعم نحن في الأردن أمام تحديات كبيرة ومعقدة؛ لكن هذا لا ينفي دور الكلمة الناعمة التي تجد مكانها في القلب أكثر من أي كلمة أخرى، وانظري إلى أغنية "صباح الخير يا عمان، يا حنة على حنة..". كيف أعادت ألق الأغنية الوطنية على الرغم من أن المطربة مصرية.
- هل تحبّذ وجود رقابة على مضمون الأغاني الوطنية؟
كنت أشرت بأننا نحتاج إلى لجنة لا تكون للمراقبة فقط، بل لفرز ما يقدم من أغانٍ حتى يتسنى لنا الارتقاء بهذا الفن الذي من شأنه زرع الأمل والمحبة في قلوبنا، فمنذ الأزل لم تستغن الدول عن الشاعر والأغنية في تثبيت قلوب الناس وتحريضهم على محبة البلاد، ولطالما ساهم الشعراء في تكريس هذه المحبة التي لا تحتاج إلى أكثر من قصيدة مخلصة وبعض موسيقى تفتح لنا أبواب نهاراتنا الأردنية.