عندما بدأت القوات الروسية في الاستيلاء على القرى والبلدات في شرق أوكرانيا لأول مرة في أوائل مارس، قامت بمسح سكان هذه المناطق؛ واعتقال أي مسؤولين أو أفراد في الجيش أو متطوعين من قوات الدفاع الإقليمي أو نشطاء أو أي شخص يعتبرونه تهديدا.
وأجبرت القوات الروسية المدنيين على الخضوع لفحوصات مهينة للهوية واستجواب عنيف في كثير من الأحيان قبل السماح لهم بمغادرة منازلهم والسفر إلى المناطق التي لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية.
وقال عدد من الأوكرانيين الذين خضعوا لعملية الاستجواب خلال الشهرين الماضيين لشبكة "سي إن إن" إنهم واجهوا تهديدات وإذلال أثناء التحقيق معهم، كما قبضت القوات الروسية أو جنود الانفصاليين على عدد من الأشخاص ولم يتم التعرف على مصيرهم حتى الآن.
وأكد الأوكرانيون أن عملية الفلترة شملت فحص المستندات والاستجواب وأخذ بصمات الأصابع والبحث، وتجريد الرجال من ملابسهم وفحصهم بشكل روتيني.
وقالت ليودميلا دينيسوفا، أمينة المظالم المعني بحقوق الإنسان بالبرلمان الأوكراني، في وقت سابق من هذا الشهر أن القوات الروسية أنشأت "شبكة واسعة" من الأماكن التي يتعرض فيها الأوكرانيون لعملية "الفلترة".
وأشارت إلى أن مثل هذه الأماكن أقيمت "في كل مدينة أوكرانية محتلة"، وأن أكثر من "37 ألف مواطن" خضعوا بالفعل لهذه العملية.
وقال نيكولاي ريابتشينكو إنه فر من ماريوبول في منتصف مارس عندما أغلقت المدينة ولم يُسمح للناس بالتنقل.
وأضاف "وجدنا طريقة لتجنب نقاط التفتيش وجئنا إلى نيكولسكي وبقينا هناك لمدة أسبوعين. وسألت كل من قابلتهم عن كيفية الخروج و [قالوا] إن الترشيح إلزامي"
وكتبت القوات الروسية في لافتة نشرتها في مدينة ماريوبول: "يمكن تنفيذ الإخلاء إذا كانت هناك وثيقة تؤكد مرور إجراءات التصفية".
منشور روسي في ماريوبول يشترط إجراء عملية الفلترة للسماح بالتنقل
منشور روسي في ماريوبول يشترط إجراء عملية الفلترة للسماح بالتنقل
وقالت كارينا البالغة من العمر 20 عامًا، وهي مقيمة أخرى في ماريوبول: "يتعين على كل شخص أن يخضع لعملية الفلترة، رجالًا ونساءً، من أجل التنقل في جميع أنحاء المدينة بحرية".
تمكنت كارينا من الهروب من ماريوبول لكن والدها، الذي لم يجتاز عملية الفلترة بعد وليس لديه فكرة عن السبب، لا يزال موجودًا.
لا يزال والد كارينا معتقلا منذ أكثر من شهر في مدرسة بيزميني شرقي المدينة، التي تستخدمها القوات الروسية والانفصاليون كمركر لفحص اللاجئين من ماريوبول والمناطق المحيطة بها.
في ثلاثة بيانات منفصلة نُشرت الأسبوع الماضي، قالت القوات الانفصالية إنه تم إحضار ما يقرب من 1000 شخص تم إجلاؤهم من ماريوبول إلى مركز بيزيميني في غضون ثلاثة أيام. وأشارت إلى أنه حتى 17 مايو، مر أكثر من 33 ألف شخص بالمنشأة.
في وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت وزارة الدفاع الروسية مقطع فيديو يظهر الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من ماريوبول يصلون إلى معسكر فلترة خارج المدينة في حافلات.
ضرب وتعذيب
وقالت كارينا إنها تمكنت من التحدث إلى والدها الذي أخبرها أن الظروف هناك مروعة. كما أخبرها والدها أن "البعض ينام على الأرض، والبعض الآخر محظوظ [وينام] على الكراسي، والبعض الآخر أكثر حظًا ولديهم مراتب في صالة الألعاب الرياضية. لا توجد فرصة للاغتسال ولا مرحاض عادي. جميعهم كانوا مرضى لأن الجو كان باردًا جدًا بحيث لا يمكنهم النوم على الأرض"
كما ذكر لها أن الحراس في المركز رفضوا تقديم أي دواء للأشخاص المحتجزين هناك.
وأشارت دينيسوفا إلى أن مركز بيزميني، الذي يحتجز فيه والد كارينا هو مجرد واحد من عدة منشآت تم إنشاؤها في منطقة دونيتسك. وقالت إن القوات الروسية أقامت معسكرات فلترة مماثلة في دوكوتشيفسك وميكيلسكي ومانغوش وبيزيميني ويالطا.
وقالت ماريا فدوفيتشينكو إن والدها تلقى العديد من الضربات على رأسه أثناء الاستجواب الشهر الماضي لدرجة أن العديد من الفحوصات الطبية أكدت الآن أن بصره قد تضرر بشكل دائم.
وسألته القوات عن سياسته وخططه المستقبلية وآرائه في الحرب. وفحصوا وثائقه وأخذوا بصماته وجردوه من ملابسه للتحقق مما إذا كان لديه أي وشوم أو علامات عن ارتداء أو حمل معدات عسكرية، بحسب ما روت فدوفيتشينكو.
وأضافت: "الجنود سألوا أبي ماذا سيحدث إذا قطعنا أذنك. ثم ضربوه على رأسه". وتابعت: "كانوا يبحثون عن أشخاص يتحدثون الأوكرانية، وعن رموز أوكرانية"، مضيفة أن الجنود فحصوا هاتفها، لكنهم لم يجدوا أي شيء؛ لأننا حذفنا كل الصور والأشياء والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
عملية استجواب وحشية
وقال مايكل كاربنتر، سفير الولايات المتحدة لدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الشهر الماضي، إن هناك تقارير موثوقة تفيد بأن "القوات الروسية تعتقل السكان المدنيين المحليين في هذه المناطق، وتحتجزهم في معسكرات، وتستجوبهم بوحشية بشأن أي صلات مفترضة مع الحكومة الأوكرانية الشرعية أو بمنافذ إعلامية مستقلة".
وفي حديثه الأسبوع الماضي، ذكر كاربنتر أن العديد من روايات شهود العيان تشير إلى أن القوات الروسية تستخدم الضرب والتعذيب في هذه المعسكرات أثناء عمليات الاستجواب؛ لتحديد ما إذا كانوا مدينين بأدنى ولاء للدولة الأوكرانية.
كما اتهم مجلس مدينة ماريوبول القوات الروسية باستخدام مراكز الترشيح للتعرف على الأشخاص الذين شهدوا الفظائع التي ارتكبتها خلال معركة السيطرة على المدينة.
وقالت يانا، التي غادرت بيرديانسك في جنوب أوكرانيا لتقيم مع أقاربها في روستوف في روسيا، إن والديها اضطروا إلى الخضوع لعملية الاستجواب في مستشفى في دونيتسك، حيث نُقلا بعد إصابتهما في غارة، بعد أن أمضيا بالفعل أكثر من أسبوعين مختبئين في ملجأ في ماريوبول دون مساعدة طبية.
وأضافت: "جاء الناس من خدمة ما وأخذوا بصماتهم وقالوا لهم إن هذه الفلترة لأنهم لا يستطيعون المشي لكن كان لا بد من القيام بذلك، فهذه القواعد موجودة في جمهورية لوغانسك الشعبية ".
ليست هذه المرة الأولى التي تستخدم روسيا فيها هذه المعسكرات لتصفية السكان، فقد فعلت نفس العملية خلال الحرب في الشيشان، واستخدمت معسكرات لفلترة المدنيين عن مقاتلي المتمردين.