نيروز الإخبارية : تُوصف «ويب 3» أو «الشبكة اللامركزية» بأنها مستقبل الإنترنت المستند إلى سلسلة الكتل «بلوك تشين»، الذي يضم «عملات مشفرة» و«رموزاً غير قابلة للاستبدال» و«تمويلاً لامركزياً»، والمزيد، وهو يعد المستخدمين بإمكانية القراءة/ الكتابة/ التملك، مع سيطرة أكبر وحلول لمشكلات الخصوصية والمركزية والإقصاء المالي، لكن البعض يحذر من مخاطر مضاربات واحتيال في مشاريع «ويب 3»، عدا عن عقبات بيئية وتقنية وأخلاقية تعترض التكنولوجيا.
ويفيد تقرير لمجلة «هارفرد بيزنس ريفيو» الأمريكية بأن بداية «ويب 3»، كانت العملات المشفرة المستندة إلى تقنية «بلوك تشين» المسمى بـ«دفتر الأستاذ الموزع»، الذي يوفر قاعدة البيانات على شبكة من أجهزة كمبيوتر بدلاً من واحد، ما يوفر للمستخدمين الشفافية وعدم قابلية التغيير لتخزين المعلومات.
ومع توظيف «بلوك تشين» لأغراض جديدة، كابتكار سجلات ملكية أو «صكوك رقمية» تسمى «رموزاً غير قابلة للاستبدال»، لكائنات رقمية فريدة، شهدت الصناعة نمواً هائلاً عام 2022، وخصوصاً بعد أن حققت قطعة فنية رقمية، للفنان بيبل، مبلغاً قدره 69 مليون دولار في مزاد كريستي، ونشأت «منظمات مستقلة لامركزية» تعمل كشركات من دون رأس، تجمع وتنفق المال، وتتم جميع القرارات عبر تصويت أعضائها.
مؤيدون ومشككون
يلفت التقرير إلى أن المصطلح هو اختصار لمشروع إعادة توصيل الأسلاك باستخدام «بلوك تشين»، لتغيير كيفية تخزين المعلومات ومشاركتها وامتلاكها، وهذا يعني من الناحية النظرية، إمكانية تحطيم الاحتكارات حول من يتحكم في المعلومات ومن يكسب المال وحتى كيفية عمل الشبكات والشركات.
وفيما يجادل المؤيدون بأن «ويب 3» ستخلق اقتصادات جديدة ومنتجات وخدمات عبر الإنترنت، على الرغم من أن تلك الوعود لا تزال تواجه عقبات تقنية وبيئية وأخلاقية، يحذر المشككون من أن «ويب 3» مليئة بالتكهنات والسرقة ومشكلات الخصوصية، وأن سحب المركزية مع انتشار وسطاء جدد يقوّض الساحة المثالية للشبكة اللامركزية.
وعلى مدى ثلاثة عقود، كانت الإنترنت في تطور متواصل؛ ظهرت «الويب 1» وكانت الشبكة للقراءة فقط تتيح لأجهزة الكمبيوتر والأشخاص التحدث مع بعضهم بعضاً. ثم في أوائل العقد الأول من القرن 21 أصبحت الإنترنت أكثر تفاعلية مع شبكة للقراءة – الكتابة «ويب 2». وكانت تلك حقبة وسائل التواصل الاجتماعي، لكن السيطرة بقيت مركزية. وقد أنتجت شركات التكنولوجيا ثروات هائلة لنفسها ولمساهميها من خلال أخذ بيانات المستخدمين وبيع الإعلانات المستهدفة، وهذا أتاح تقديم الخدمات «مجاناً»، فيما أوجدت «ويب 2» طرقاً جديدة لكسب المال.
الآن، يروج المدافعون عن «ويب 3» أن الشبكة الجديدة تصحح مشاكل «ويب 2». لمن يشعر بالقلق بشأن الخصوصية، تحمي المحافظ المشفرة الهوية، ولمن يشعر بالقلق بشأن صحة البيانات، تقوم قاعدة البيانات اللامركزية بتخزين كل شيء بشكل ثابت وشفاف، ولمن يشعر بالقلق بشأن المركزية، هناك تصويت على القرارات وإمكانية الحصول على حصة مالية.
وكانت فكرة «ويب 3» قد بدأت في التجذر عام 2009، مع إطلاق «البيتكوين» في أعقاب الأزمة المالية من قبل المخترع ساتوشي ناكاموتو. وتعمل هذه التقنية على الشكل التالي: يتم تتبع ملكية العملة المشفرة على «دفتر الأستاذ العام المشترك»، وعندما يريد أحد المستخدمين إجراء تحويل، يعالج «معدنون» المعاملة عن طريق حل مشكلة حسابية معقدة، وإضافة «كتلة» جديدة من البيانات إلى السلسلة، وكسب عملة «بيتكوين» مقابل جهودهم.
وفي حين تُستخدم «بيتكوين» كعملة فقط، تقدم «بلوك تشين» خيارات أخرى، مثل «اثيريوم» التي ظهرت في عام 2015، هي عبارة عن عملة مشفرة ومنصة يمكن استخدامها لبناء مشاريع للعملات المشفرة و«بلوك تشين»، وقد وصفها مؤسس «اثيريوم»، غيفن وود، بأنها «كمبيوتر واحد للكوكب بأكمله»، مع قوة حوسبة موزعة في جميع أنحاء العالم لا يمكن التحكم بها في أي مكان.
وإلى جانب «اثيريوم»، يمكن أن يخزن «بلوك تشين» عملة رمزية في محفظة، أو شروط عقد ذاتي التنفيذ، أو رمزاً لتطبيق لامركزي. وفي عملية «إثبات العمل» تكون بيانات المعاملة عامة مشتركة فيما محافظ المستخدمين يجري تحديدها فقط من خلال عنوان مشفر، كما تتيح تقنية «بلوك تشين» إضافة بيانات لكن لا يمكن حذفها.
تغيير هام
هذا وتعمل «ويب 3» والعملات المشفرة دون تحكم مركزي ولا تتطلب من المستخدمين الوثوق أو معرفة أي شيء عن المستخدمين الآخرين للتعامل معهم. ينقل التقرير عن الشريك في شركة رأس المال الاستثماري «ايه 16 زد» كريس ديكسون، قوله: «ويب 3» هي الإنترنت التي يمتلكها المنشئون والمستخدمون ويتم التنسيق بينهم باستخدام عملات رمزية «توكنز». وهذا شيء مهم لأنه يغير محركاً تأسيسياً لشبكة الإنترنت اليوم القائمة على سحب الشركات بيانات المستخدمين.
وأخيراً، كانت حالات استخدام جديدة تظهر، مثل خدمة بث مستمر «ساوند. اكس واي زد» على «ويب 3» للفنانين، وألعاب إلكترونية، وما يسمى العملات المستقرة التي ترتبط قيمتها بالدولار أو اليورو. كما اكتسبت العملة المشفرة قوة دفع كحل للمدفوعات عبر الحدود لأشخاص في اقتصادات متقلبة.
لكن سيكون لـ«ويب 3» بعض الاختلافات الرئيسية عن و«يب 2»: لن يحتاج المستخدمون إلى عمليات تسجيل دخول منفصلة لكل موقع يزورونه بل يستخدمون هوية مركزية (ربما محفظتهم المشفرة) التي تحمل معلوماتهم. وسيكون لديهم المزيد من التحكم في المواقع التي يزورونها.
لكن التنبؤات بشأن ما قد تبدو عليه «ويب 3» لا تزال ضمن التخمينات، وفقاً للتقرير، لكن بعض المشاريع نمت وأنشأت مجتمعات رموز غير قابلة للاستبدال ناجحة مثل «بورد أيب يخت كلوب» أو عملاق التشفير «دابر لابس». وهناك مراكز المقاصة «كوين بايس» و«أوبن سي» أكبر سوق رقمي لمقتنيات العملات المشفرة والرموز غير قابلة للاستبدال.
وفي حين أن شركات مثل مايكروسوفت و«اوفر ستوك» و«باي بال» قبلت العملات المشفرة لسنوات، فإن الرموز غير قابلة للاستبدال، التي انتشرت مؤخراً، ما زالت تحت الاختبار. فتلك يمكنها أن تمنح ملكية لفن رقمي أو حق الوصول إلى مجتمع ما، ويمكن أن تعمل على نطاق أصغر من العملات، ولا تتطلب أكثر من مجتمع من الأشخاص الذين يجدون قيمة في المشروع.
وكان الأنجح بين الشركات التقليدية في «ويب 3» تلك التي أنشأت مجتمعات أو تتصل بمجتمعات قائمة، مثل الرابطة الوطنية لكرة السلة الأمريكية، التي تعد أول من أطلق مشروع رموز غير قابلة للاستبدال، وقد نجحت لأنها قدمت للمعجبين فرصة شراء والمتاجرة بالبطاقات. وكانت هناك «نايكي» و«أديداس» و«أندر أرمور» التي قدمت رموزاً غير قابلة للاستبدال يمكن استخدامها في العالم الافتراضي.
لكن هناك عدة شركات واجهت مشكلات في المجال، فـ«نايكي» تصارع حالياً لتدمير رموز غير مصرح بها، و«أوبن سي» تمتلئ بالمقلدين. ونظراً لأن تقنية «بلوك تشين» غير قابلة للتغيير، فقد أثارت أسئلة قانونية.
عيوب في «ويب 3»
غالباً ما تكون بدايات التكنولوجيا مليئة بالمطبات. يقول البعض إن «ويب 3» اقتصاد مليء بالتكهنات تجمع الأغنياء أصلاً ليصبحوا أكثر ثراء، ذلك أن مالكي «بيتكوين» الكبار الـ0.01% يملكون 27% منها، وهناك من يتحدث عن عالم الغرب الأمريكي مع عمليات اختراق وخداع في «ويب 3»، ما يبرز مخاطر تلك المساحة غير الخاضعة للتنظيم.
ثم أن التقنية مكلفة وغير عملية، يقول كبير العلماء في شركة «أي بي ام» جرادي بوش، النظام قادر على معالجة عدد قليل من المعاملات فقط في الدقيقة مقارنة بنظام مركزي. وفيما من الممكن إصلاح ذلك بإضافة طبقات جديدة، إلا أن القيام بذلك يجعل النظام بأكمله أكثر مركزية مما ينفي الغرض منه. وتبقى هناك مخاوف من اختفاء عملية الشراء في حال تعطل الخادم الذي يجري العمل عليه.
كما هناك المضايقات وسوء المعاملة على «ويب 3»؛ فعلى الرغم من أن محافظ العملات المشفرة توفر من الناحية النظرية وسائل مجهولة الهوية، فإن حقيقة أن المعاملات عامة يمكن تتبعها إلى الأفراد.
كذلك، يعني عدم القدرة على التغيير، أن البيانات لا يمكن حذفها. كل هذا يضاف إلى تأثير التقنية السلبي على البيئة لناحية استخدام الطاقة ونفايات التكنولوجيا.
وجهة «ويب 3»
برغم ذلك، يعتقد المؤسس المشارك لـ«اثيريوم»، فيتاليك بوترين أن الشبكة غير المركزية تلحق بالركب وبسرعة. والعمل الذي يتم إنجازه الآن هو إنشاء مكتبات التشفيرات، ما سيسهل قريباً على المطورين الآخرين بدء العمل في مشاريع «ويب 3».
ويشير إلى أن عملية «إثبات العمل» في نظام «بيتكوين» و«اثيريوم» غير الكفء لم يعد رائجاً، وبدلاً من التعدين الذي يستخدم كميات هائلة من الطاقة، يأتي التحقق بشكل متزايد من المستخدمين الذين (يمتلكون حصة) للموافقة على المعاملات.
وتقدر «اثيريوم» أن التحديث «لإثبات الحصة» سيقلل من استخدامها للطاقة بنسبة 99.95% مع جعل النظام الأساسي أسرع وأكثر كفاءة. كما أن «سولانا» في «بلوك تشين» يستخدم «إثبات الحصة» و«إثبات التاريخ» وهي آلية تعتمد على الطوابع الزمنية، يمكنهما معالجة 65 ألف معاملة في الثانية مقارنة مع معدل «اثيريوم» الحالي الذي يبلغ حوالي 15 في الثانية، وسبعة لـ«بيتكوين».
هذا وتتبنى بعض الشركات نهجاً هجيناً يوفر فوائد من دون قيود، حيث يمكن لشبكة اجتماعية على سبيل المثال تسجيل متابعيها ومن تتابعهم على «بلوك تشين» ولكن ليس منشوراتها مما يمنحها خيار حذفها. ويقول باحثون في شركة «أي بي إم»: يجب الاحتفاظ بخصوصية البيانات الشخصية من «بلوك تشين» في مخزن بيانات خارج السلسلة مع عرض دليلها فقط (تجزئة التشفير)، وبهذه الطريقة يمكن حذف البيانات دون التأثير على السلسلة.
وفيما الأنظمة ستأتي ببطء لتعريف الفصل التالي من «ويب 3»، حيث حظرت الصين العملات المشفرة تماماً إلى جانب الجزائر وبنغلاديش ومصر والعراق والمغرب وسلطنة عُمان وقطر وتونس، وتدرس أوروبا اللوائح البيئية، وتنظر الحكومة الفيدرالية الأمريكية في تنظيم العملات المشفرة، تبقى «ويب 3» رهاناً عالي المخاطر، كما يفيد التقرير، قد تزدهر وقد تنهار، لكننا سنعيش مع شكل منها في كلتا الحالتين.