في يوم عرفة الذي يصادف يوم غد الجمعة، يتسابق المسلمون للطاعات والذكر والابتهال إلى الله، في هذا اليوم الذي يوحدهم، متعاضدين متضامنين متكافلين نسيجا ولحمة واحدة، يجمعهم الايمان صفا واحدا يشد بعضه بعضا.
يقول سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد الكريم الخصاونة لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن في يوم عرفة تتجسد روح الأخوة والمحبة بين المؤمنين الذين اجتمعوا من كل فج عميق، استجابة لله تعالى، ليجتمعوا في أكبر مؤتمر إسلامي تذوب فيه الفروقات الطبقية والاجتماعية، ولتتجسد فيهم معاني العبودية لله تعالى وحده، ويرفعون أكف الضراعة إلى ربهم سبحانه وتعالى أن يغفر الذنوب والسيئات للأحياء والأموات.
ويضيف، إنه لا فضل لأحد على الآخر إلا بتقوى الله عز وجل، فتنزل الرحمات على المسلمين والمسلمات الواقفين على صعيد جبل عرفات، وهم يستذكرون معاني الآية الكريمة "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا" وهو اليوم الذي أصبح عيدا للأمة بعد نزول هذه الآية.
ويشير سماحته إلى أنه ينبغي للمسلم أن يستذكر هذه المعاني العظيمة في عرفة وأن يملأ هذا اليوم بالطاعات من صيام وصدقة ودعاء وغيرها من العبادات، ونشغل أنفسنا بالذكر والفكر، والتوبة عن الذنوب وما حصل من التقصير.
وفي هذا اليوم ألقى عليه الصلاة والسلام خطبة الوداع التي لخص فيها مجموعة من أحكام الدين الإسلامي ومقاصده الأساسية، فخاطب الصحابة، والأجيال التي ستأتي بعدهم من التابعين، والبشرية جميعها في أنحاء العالم فكان من أعظم ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته في هذا اليوم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا»، وأعادها مرارا، ثم رفع رأسه فقال: «اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت».
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته، فليبلغ الشاهد الغائب.
لقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم هذا اليوم العظيم، يوم الحج الأكبر وباجتماع ما يزيد على مئة ألف صحابي، ليعلنها صلى الله عليه وسلم صراحة وعلى مسمع من جميع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب، أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم مصونة ويحرم الاعتداء عليها، وهذه كانت من آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم، والواجب على المسلم أن يلتزم وصية النبي صلى الله عليه وسلم التي يتحقق بها عوامل الأمن في المجتمع، وفقا للخصاونة.
أستاذ الفقه وأصوله في كلية الشريعة في جامعة اليرموك الدكتور محمد محمود طلافحة، يؤكد ما ذهب إليه سماحته في أن يوم عرفة مؤتمر سنوي يجتمع فيه ملايين المسلمين في صعيد عرفات فالوقوف بعرفة ركن من أركان الحج قال صلى الله عليه وسلم:( الحج عرفة).
ويقول، إن يوم عرفة أفضل أيام السنة وخير الدعاء دعاء يوم عرفة، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".
ويسن للمسلم غير الحاج صيام يوم عرفة فهو يكفر ذنوب سنتين؛ فعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والباقية)، بحسب طلافحة.
يقول استاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة العلوم الإسلامية العالمية الدكتور امين عمر دغمش، في يوم عرفة يتجلى الله على عباده ويباهي بهم ملائكته ويمن عليهم بالرحمة والمغفرة والعتق من النار كما ورد في الحديث الذي رواه الامام النسائي في كتابه السنن، عن عائشة ان رسول الله قال: ما من يوم اكثر من ان يعتق الله عز وجل فيه عبدا او أمة من النار من يوم عرفة وانه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة ويقول ما أراد هؤلاء.
ويبين دغمش أنه في هذا اليوم ( يوم عرفة) يرى الشيطان، ذليلا مهينا لما يرى من تنزل الرحمات.
ويضيف: "علينا أن نحسن استقبال هذا اليوم بذكر الله عز وجل والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والصدقات والصيام فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في صيامه لغير الحاج كي نشارك الحجيج ونعيش معهم بقلوبنا ومشاعرنا".
يقول أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور علاء الدين عدوي، ان يوم عرفة يوم عظيم من أيام السنة، فيه ركن الحج، فهو يوم الوقوف بعرفة، وهو يوم المباهاة بأهل الأرض، ويوم استجابة الدعاء فخير الدعاء دعاء يوم عرفة، وفيه غفران الذنوب والعتق من النار ومضاعفة الأجور والأعمال.
لذلك فالمسلم حريص أن تكون أعماله في هذا اليوم من أفضل الأعمال في العام كله، وأن يظهر منه الإقبال على الله واللجوء إليه وسؤاله الهدى والإيمان، والتوفيق لكل خير له ولعموم المسلمين.