نيروز الإخبارية : أقر مارك ماكغان، وهو رجل ذو تاريخ كبير في مجال العلاقات الحكومية وجماعات الضغط، بأنه وراء تسريب 124 ألف وثيقة من أوراق أوبر للصحافة.
وكانت مجموعة صحف حول العالم قد تشاركت في نشر الوثائق التي تكشف أن عملاق خدمة النقل الأميركية "خرقت" القوانين و"خدعت" الشرطة و"استغلت" العنف ضد السائقين لصالحها و"ضغطت سرا" على قادة حكومات وسياسيين أثناء توسعها حول العالم، من بينهم جو بايدن وأولاف شولتس وإيمانويل ماكرون.
وذكر ماكغان، 52 عاما، أنه فعل ذلك لإيمانه بأن الشركة قد خالفت القانون في دول عدة حول العالم، وأنها خدعت العامة بشأن الفوائد المزعومة لنموذج الاقتصاد التشاركي الذي تروج له.
وعمل مكاغان مع أوبر بين عامي 2014 و2016، وكان مسؤولا عن قيادة جهود الشركة لإقناع الحكومات بالسماح بأنشطتها في أكثر من 40 دولة.
وقال ماكغان لصحيفة "الغارديان": أنا جزئيا مسؤول. أنا الشخص الذي كان يتحدث للحكومات، وأنا الذي كنت أنشر وجهة نظر أوبر للإعلام. أنا الذي كنت أخبر الناس أن عليهم تغيير القوانين لأن السائقين سيستفيدون من الفرص الاقتصادية الجديدة".
وأضاف: "لقد تبين لي أن كل هذا كذب.. ولا سبيل لإرضاء ضميري سوى بالإقرار بدوري في ما يحدث للناس اليوم".
وأكد ماكغان أنه نادم على دوره في "تجميل الحقائق للزبائن والساسة"، مؤكدا: "كان يجب علي أن أوقف هذا الجنون. إنه من واجبي الآن أن أقول الحقيقة وأساعد الحكومات والبرلمانات حول العالم في تصحيح الأوضاع الخاطئة".
وعلقت أوبر على اعترافات ماكغان قائلة أنها تتفهم ندمه على فترة عمله تحت القيادة السابقة للشركة، لكنه لا تراه مصدرا ذي مصداقية للحديث عن أوضاع الشركة اليوم.
تاريخ حافل
ولدى مكاغان سجل حافل بالنجاحات في مجال عمله، أهله للحصول على هذا المنصب. والرجل المولود في بروكسل يتحدث عدة لغات، ولديه اتصالات عميقة بمسؤولين حكوميين مهمين حول أوروبا، وشبكة علاقات كونها عبر سنين من العمل في شركات السياسة العامة، كما آدار جمعية تسمى "أوروبا الرقمية" تدافع عن المصالح التجارية لشركات مثل آبل ومايكروسوفت وسوني، وشغل منصب نائب أول لرئيس بورصة نيويورك براتب قدره 750 ألف دولار في السنة.
وقبل ماكغان العمل في أوبر براتب أقل من 200 ألف دولار، لكنه حصل على أسهم في الشركة لتعويض الفارق، وهو أسلوب متبع في الكثير من الشركات الناشئة.
وعمل ماكغان تحت قيادة أول مدير تنفيذي للشركة، ترافيس كالانيك. ورغم علاقة الاثنين الوطيدة في الماضي، فإن ماكغان اليوم يتهم كالانيك بأنه ارتكب مخالفات أخلاقية، واتبع سياسة صدامية ضارة لتحقيق أهداف الشركة.
وقال ماكغان إنه أعاد تقييم ما شاهده في أوبر تدريجيا، مضيفا: "عندما قررت أنه كان عليّ الحديث، شرعت ب في إيجاد الطريقة الأكثر فعالية وتأثيرً. ما أقوم به ليس بالأمر السهل ، وقد ترددت، ولكن لا يوجد موعد أخير قبل أن تفعل الصواب".
وشرح ماكغان أنه كان مسؤلا عن العلاقات الحكومية للشركة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط، وأن استراتيجية الشركة في هذا الوقت كان كسر القانون، إثبات أن أوبر خدمة رائعة، ثم محاولة تغيير القانون ليتناسب مع الشركة، وذلك من خلال علاقات سياسية بكبار المسؤولين الحكوميين، تتجاوز مسؤولي المدن والمحليات.
واتهم ماكغان أوبر. تحت قيادة كالانيك، بتبني استراتيجية عدائية مع المعارضين، ما أجبره على مواجهة ردود الأفعال العنيفة في فرنسا وبلجيكيا وإيطاليا وإسبانيا.
وقال ماكغان إنه شعر بتهديدات لحياته، واضطر لمصاحبة حارس شخصي لضمان أمنه، وأنه أصيب باضطراب كرب مابعد الصدمة خلال عمله بالشركة.
ويروي ماكغان عن أول يوم عمل له في الشركة، حين استقل سيارة أوبر من مطار لندن. وقتها، أرسل بريد إلكتروني إلى مسؤول تنفيذي كبير لإخبارهم أنه في الطريق، فتلقى ردا: "أنا أشاهدك من السماء.. أنا أعرف بالفعل موعد وصولك المرتقب".
وكانت كلمة "في السماء" أو "المنظور الإلهي" مستخدمة بين مهندسي أوبر في إشارة لقدرة الشركة على مراقبة حركة أي من مستخدميها في أي مكان بالعالم.
"شعرت وقتها بأنهم مجموعة من الأطفال الذين يلهون بأداوات مراقبة شديدة الخطورة"، بحد تعبير ماكغان.
وأقرت أوبر بأن استخدام "المنظور الإلهي" كان خطأ، وأنها توقفت عن استخدامه منذ 2017.
وتظهر الوثائق ماكغان في صورة المعارض أحيانا لسياسات أوبر، وإن كان معارضا لينا، وضالعا في كثير من الأحيان في تنفيذ سياسات أوبر التي ينتقدها.
ندم
ويقول ماكغان أن أوبر كانت تستخدم سائقيها مثل "البيادق" في الضغط على الحكومات، وتوضح الوثائق أنه شجع مسؤولي الشركة في أمستردام على تسريب قصص للصحافة حول تعرض السائقين للعنف. ويؤكد أن الشركة كانت ترى في إضراب سائقي أوبر لإغلاق الشوارع في المدن الكبرى، مثل برلين وبرشلونة، أمرا إيجابيا، وأن كل حوادث الفوضى والعنف التي تنتج عن صدامات أوبر وسائقي التاكسي كانت تصب في صالح الشركة.
وتوضح الوثائق أن المدير التنفيذي للشركة في ذلك الوقت كان يقول "العنف يضمن النجاح".
تعرض ماكغان لاستهداف شخصي في أكثر من مناسبة، خاصة في بلجيكا، حيث تظاهر سائقو التاكسي أمام منزله، وهددوا أمنه الشخصي، كما نشروا صورا له على فيسبوك تظهر أنهم يراقبون تحركاته.
وتظهر الوثائق أن أوبر عينت حراسة شخصية صاحبت ماكغان لأكثر من 600 ساعة في بلجيكا فقط، وفي العام نفسه، استقال ماكغان من الشركة، وحافظ على علاقة جيدة معها، حيث منحته أوبر منصبا شرفيا، وسمحت له بالاحتفاظ بالكمبيوتر والهاتف المحمول، وإيميل الشركة.
وفسر ماكغان قراره بالانقلاب عليها بتدهور صحته النفسية، خاصة بعد وفاة صديق مقرب. وأكد أن تعرضه لعلاج نفسي مطول، جعله يراجع قراراته الحياتية ويعيد تقييم الفترة التي قضاها مع أوبر.