إذا وصلت المدينة المنورة وأردتَ أن تسترشد بسرعة إلى أشهر معالمها فما عليك إلا أن تسأل لتجد مئات العارفين، وكذا لو سألتَ عن عيادة الدكتور كايد الكايد بني ياسين في قباء الطالع، التي أضحت معلماً بارزاً لكل مدنيّ أو مدينيّ من أهل المدينة.
منذ سبعينيات القرن الماضي قدِم الطبيب العام الدكتور كايد من الأردن، وعمل في الوحدة الصحية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم استقلّ بعيادته التي اشتهرت بتراكم السنين.
لم تكن شهرته بسبب مهارته في تشخيص الأمراض أو عملياته الصغيرة فحسب وخاصة في علاج التهاب اللوزتين، وإنما كانت في ابتسامته العريضة وبشاشته التي يُبادِئك بها وكأنه يعرفك قبل دهر، ثم يسعى في أمرك ويقضي حوائجك وكأنك من أهله، وكان طبيباً للفقراء والمعوزين مفتوح الباب لهم، وكان غاية في الذوق والنبل ومحاسن الأخلاق وجميل الطِّباع.
وقد لقيته مراراً في أواخر الثمانينات، وكنت أرى وفود الحجيج من الأردن والكويت وفلسطين تحتفي بلقائه، وكان كثيراً ما يكون بينهم في مواسم العمرة والحجّ يتابع شؤونهم ويعالج عوارض الأدواء التي تصيبهم.
كان عظيم التديّن، قائماً على عبادته بالمعروف، وكان ممن آمن بأهمية العمل العام لنشر ثقافة التديّن والأخلاق، واشتغل فيه دهراً، وأدار فيه محطات تربوية كان لها أثرها الطيب في نفوس الناس، وشهدوا له بالتجرّد والانصراف عن شهوة الزعامة.
نحو خمسين عاماً قضاها الدكتور كايد في المدينة المنورة، وكان يمثّل فيها أهل الأردنّ وفلسطين معاً وكان عميد الجالية الأردنية فيها، فهو من عشيرة بني ياسين الأردنية التي تعود في جذورها إلى بني مخزوم القرشيين، وظل في مدينته حتى قضى نحبه في تركيا الخميس 14/7/2022 في المستشفى، وبلغ من حب الناس له أن أمير المدينة أمر بطائرة إخلاء طبيّ تنقله إلى المدينة المنورة ليصلّى عليه في المسجد النبويّ بعد صلاة الجمعة، ثم يوارَى الثرى في بقيع الغرقد بجوار أئمة هذا الدين، وقرب حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.