نيروز الإخبارية : مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا شهره السادس، حدث تحول جذري في "البيروقراطية الأمنية" للكرملين، بـ"تنشيط جهاز الأمن الفيدرالي" لملاحقة المعارضين الروس للحرب، واعتقال المحتاجين على الغزو، في عودة للدولة البوليسية التي شهدتها روسيا خلال الحقبة السوفيتية.
ويعد جهاز الأمن الفيدرالي FSB، "الوكالة الأقرب" للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، واعتمد عليها بشكل أساسي في وضع "خطط الغزو السريع لأوكرانيا"، والتي تعثرت لاحقا، وفقا لتقرير لمجلة "فورين أفيرز".
ومع تعثر خطط "الغزو السريع"، إعادة بوتين صياغة المهام الموكلة للجهاز، لتصبح "أكثر شمولا"، ليكون في طليعة جهود روسيا الأمنية الداخلية، وعملياتها الاستخباراتية في أوكرانيا.
ويدير الجهاز من خلال أفرعه المختلفة "عمليات القمع الجديدة في روسيا"، واستهداف الجنود الأوكرانيين داخل أوكرانيا وخارجها، وتجنيد "عملاء أوكرانيين"، وهو ما تصفه "فورين أفيرز" بتحول ذو آثار عميقة على طبيعة حكم بوتين.
تحول أمني استراتيجي
بحسب المجلة، فقد تحول الجهاز في عهد بوتين من شبيه لسابقه السوفيتي "كي جي بي" إلى نسخة جديدة من الشرطة السرية سيئة السمعة في عهد، جوزيف ستالين، والمسمى بـ"المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية"، (NKVD).
ونفذ ذلك الجهاز السوفيتي، عمليات التطهير الكبرى في ثلاثينيات القرن الماضي، وفرض ستار حديديا على المجتمع الروسي خلال السنوات الأولى من الحرب الباردة، وفقا للمجلة.
وقبل الغزو الروسي، اقتصر جهاز الأمن الفيدرالي على التجسس على الصحفيين والمعارضين الذين ينتقدون الحكومة وتشجيعهم على مغادرة البلاد.
لكن في أعقاب الحرب، كان مكتب الأمن الفيدرالي يزور عائلات المنفيين الروس لإيصال رسالة مفادها أن" الحكومة الروسية مستعدة للترحيب بالمنفيين من جديد".
وبذلك تحولت استراتيجية الجهاز من "إجبار المعارضين على مغادرة البلاد"، إلى "إبقاءهم تحت المراقبة الدقيقة في روسيا"، وهو النهج الذي استخدمه الكرملين آخر مرة خلال المراحل الأولى من الحرب الباردة، وفقا لما ذكرته "فورين أفيرز".
أكثر شراسة وعدوانية
وحسب تحليل لـ"مركز تحليل السياسة الأوروبية"، فإن بوتين يستخدم تكتيكات قاسية بشكل متزايد لـ"استهداف خصومه المحتملين"، عبر جهاز الأمن الفيدرالي.
وأصبح مكتب الأمن الفيدرالي أكثر جرأة في ملاحقته من كانوا في المنفى لفترة طويلة، من خلال "اتهامات بنشر أخبار كاذبة عن الحرب، وتجميد بعض الحسابات المصرفية، وإصدار أوامر دولية باعتقال بعضهم وتسليمه لروسيا"، بهدف زيادة الضغط على أقاربهم الذين يعيشون في الداخل الروسي، وفقا لـ""فورين أفيرز".
وأصبح الجهاز الأمني أكثر "شراسة وعدوانية" مع العلماء والمحامين وغيرهم من الروس الذين شاركوا في أنشطة يعتبرها النظام الآن مشبوهة.
وتعرض العالم الروسي، ديمتري كولكر، الذي يرأس مختبر التقنيات البصرية الكمومية في جامعة ولاية نوفوسيبيرسك بسيبيريا، للموت بعد اعتقاله من قبل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بتهمة "الخيانة"، وفقا لتقرير لمجلة "نيوزويك".
وكان العالم الذي يبلغ من العمر 54 عاما يعاني من سرطان البنكرياس المتقدم عندما تم اعتقاله من المستشفى في 30 يونيو، ونُقل جوا إلى موسكو للاشتباه في قيامه بـ"التجسس لصالح الصين"، واتهم نجله الجهاز الأمن الروسي بـ"قتله".
وتعرض النظام الصحي في روسيا، لضغوط من الجهاز الأمني، بعد التحقيق مع مسؤولين في عيادات طبية بسبب "وصفهم أدوية غربية بدلا من الروسية" للمرضى، حسب "فورين أفيرز".
وتم تقديم الحملة للجمهور على أنها "تضييق الخناق على مخططات شركات الأدوية الأجنبية التي تبيع أدويتها من خلال أطباء روس".
وطلب الكرملين من مكتب الأمن الفيدرالي التحقيق في البيروقراطيين الذين "فشلوا" في استبدال المنتجات الروسية، مثل تقنيات تكنولوجيا المعلومات، بمنتجات أجنبية.
وطالت عمليات التطهير التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي "النخبة الروسية"، بما في ذلك كبار المسؤولين الأمنيين أنفسهم، وفي تم القبض على ثلاثة من كبار الجنرالات في وزارة الداخلية بتهمة الاختلاس، حسب "فورين أفيرز".
تغير تكتيكي خارجي
لكن التغيير التكتيكي الأكثر إثارة للانتباه، يتعلق بدور الجهاز الأمني في "تجنيد السياسيين الأوكرانيين"، وادارة عمليات واسعة النطاق لـ"احتجاز أعداد كبيرة من الأوكرانيين في روسيا والأراضي المحتلة في أوكرانيا".
ويشير تقرير لصحيفة "موسكو تايمز"، إلى تعيين الكرملين مسؤولا من FSB لإدارة منطقة خيرسون التي تحتلها موسكو في جنوب أوكرانيا، في مؤشر على اتساع نطاق سيطرة الجهاز.
وحسب "فورين أفيرز"، فإن الجهاز يدير عمليات مطاردة "عملاء المخابرات الأوكرانية"، جنبا إلى جنب مع الروس المتهمين بـ"خيانة الدولة".
عودة دولة "ستالين" البوليسية
منذ بدء الحرب في أوكرانيا تسير "الحالة الأمنية الروسية في عهد بوتين على نهج سابقتها في عهد ستالين"، وفقا لوصف "فورين أفيرز".
وتشير المجلة إلى "عسكرة جهاز الأمن الفيدرالي، وتدشين معسكرات تجنيد جديدة تابعة للجهاز، وتغير تكتيكات الأمن الروسي (المنفتحة والوحشية) على نحو متزايد".
وحسب "مركز تحليل السياسة الأوروبية"، فقد تسبب " أداء الجيش الروسي المتواضع للغاية في ساحة المعركة"، في تأجيج جنون الارتياب لدى بوتين بشأن تمرد النخب ومحاولتهم الانقلاب عليه.
ولذلك لجأ بوتين إلى "الأساليب المجربة والموثوقة التي استخدمها ستالين لإبقاء النخبة تحت قبضته"، وفقا لتحليل المركز.
وتمثل تلك التغيرات "تحول في السياسة الأمنية الروسية"، ما يشير إلى توجه بوتين لإنشاء "دولة شمولية في زمن الحرب"، بسبب إطالة أمد الغزو الروسي لأوكرانيا، حسب "فورين أفيرز".