بالحدب نفسه الذي تُقْبِلُ عَبْرَهُ نحو الوجوه، تضيء المصورة الفوتوغرافية الشابة نورال دبابنة في معرضها الفوتوغرافي الثاني "حب الأردن"، معالم الأشياء من حولها، بلمسة حانية، وزاوية انسيابية لمّاحة، تطوّع من أجلها كاميرتها.
في صورها متنوّعة المواضيع غنية المعاني، ترصد دبابنة أكثر بؤرها تعبيراً وبوح مشاعر، تقتنص، مثل صيادة ماهرة، لحظة لا تشبه غيرها، فإذا بالأشياء العادية تصبح محمّلة الدلالات، رحبة الآفاق.
بعض صور المعرض الذي افتتحته في جاليري راس العين، العين ضحى عبد الخالق، وبالتعاون مع أمانة عمّان الكبرى دائرة المرافق والبرامج الثقافية وجمعية التصوير الأردنية ، تقترب من عالم التشكيل، إذ تتجلى بتفاصيلها وعنفوان التجريد فيها كأنها لوحات، هذا ما يمكن التقاطه في صور البتراء، خصوصاً السيق، وهذا ما يمكن رصده في صور من قلب عمّان حيث تفاصيل الزمن صعدت بوصفها طبعةَ فنٍّ خالِص.
العمق المدروس، زوايا الرصد، ممكنات الصورة الفوتوغرافية بوصفها نوعاً من أنواع الفنون، هذا وغيره، كان في بال دبابنة وهي تواصل التقاط صورها التي يقترب كثير منها من أوجاع الناس وأحلامهم ولحظات صفوهم.
إضافة لجماليات الصورة نفسها، دبابنة تجعل من اللون حكاية وحده كما في صور وادي رم، وتتركه يكمّل ثلاثية الجمال في الصورة الفوتوغرافية: اللحظة، زاوية الرصد وألوان التعبير. بعض الصور تكاد ترتقي إلى كونها أيقونات، كتلك التي تحت المطر: صورة الفتيين واحداً فوق الدراجة الهوائية، والثاني قرب عجل الدراجة بما يرتديه في قدميه وسط البرد والمطر. أو صورة الشابين اللذين يسيران تحت المطر ومعهما مظلة واحدة، وعند أطراف الشارع بقايا ثلج حولته الأيام إلى لون غير جميل. صورة إبريق الشاي الكبير تذكرنا ببائع الشاي العجوز الذي كان يجوب شوارع قاع المدينة، وعلى خصره كاسات الشاي البلاستيكية وطفُّ نعنعٍ يروي النظر.
ترصد صور نورال دبابنة المتعيّن في اللحظة التي وقعت عليها عين الكاميرا، تختزل في تلك اللحظة الماضي، توقف الحاضر، تاركة مساحة من الاستشراف لفرص المستقبل.
هي مشاغل السينما عندما تتحوّل الكوادر إلى مكمّلات للمشهد من سيناريو وحوار وآمال. وهي تُكْمِلُ في سيرورة انشغالها بالتصوير الفوتوغرافي بوصفه تجلياً فنياً، مسيرة والدتها الفنانة والشاعرة غدير حدادين، وجدّها لوالدتها الفنان التشكيلي سعيد حدادين.