أستميحكَ عذرا انني أصبحتُ مُقلاً في الكتابةِ عنكَ وإليك.. لا لنقصٍ في مداد قلمي، ولا لهدوءٍ لضجيج قلبي ولا لسكونٍ لحشرجات نفسي.
فلو أن المدادَ قد نَضَبْ لكان دمُ أبيكَ بديلاً حاضراً ليكتب به … ولو أن جذوةَ الشوق إلى محياك الجميل قد انطفأت ما كنت اليوم سقيما ، ولو أن ضجيج قلبي قد انكفأ لكنتُ قد استطعتُ أن أرسم البسماتْ الصادقة عندما تلوح المناسبة لذلك.
ولم أنساك يوماً لا سمح الله….. وهل ينسى الانسان شطراً من روحه؟ …. فما زالت ذكراك خالدة في قلوبنا وفي وجدان بني وطنك الشرفاء … وستبقى.
أتظنُّ أني قد نسيتك لحظةً
أو أن طيفك راحمٌ غفواتي؟
لا و الذي أعطى عيونك سحرها
ما زلتَ تحكمُ روحتي و غداتي
واقع الحال يا أبا هاشم أن الكثير من الاصدقاء الذين يقرؤون ما أكتبه عنك قد طلبوا مني التوقف أو التقليل من الكتابة على الأقل لأنهم يتأثرون بما أكتب ويشعرون بأن الحزن قد استنزفني… وهم صادقون.
كانت فرحتنا كبيرة بمقدمك إلى هذه الدنيا الفانية في السادس عشر من آب عام ١٩٨٣م.
ترعْرعتَ وإخوتُك يا معاذ تحت نظري ونظر والدتك المحتسبة ، ويعلمُ الله أننا قد جهدنا في تربيتكم التربية السليمة وحرصنا على تعليمكم وإعدادكم للحياة ما استطعنا.
وفي عام ٢٠٠١م تخرجتَ من الثانوية العامة وكنتَ على مفترق طرق آنذاك لتشق طريقك الى المستقبل ، فاخترتَ شرف الجندية طريقاً وانضممتَ الى سلاح الجو الملكي لتكون صقراً تحمي سماء الوطن الغالي….وبجهدك وتعبك …حققتَ ما صبوتَ إليه وكانت الفرحةَ الكبرى في تخرجك عام ٢٠٠٤م.. وكم كنتُ فخوراً بك وأنا أحضر حفل التخريج حيثُ كنت أنت قائداً للمراسم ، تقودُ زملاءك الخريجين في استعراضات التخريج أمام جلالة القائد الاعلى.
ذَرَفَتْ عيني دمعةً عندما سمعتُ صوتك يصدحُ بالإيعاز لزملائك بالاستعراض أمام جلالة الملك وأنت تقودهم … وذَرَفَتْ دمعةً أخرى عندما نودي باسمك ليقلدك صاحب الجلالة جناح الطيران … ودَمَعَتْ للمرة الثالثة عندما سلمك جلالته جائزة ملكية كقائدٍ للمراسم.
كنتُ أنظر اليك بكل زهو وأنا أبارك لك بالتخرج وأرى جناح الطيران يزين صدرك … فقد حققتَ لي حلمًا لطالما لم أستطع تحقيقه عندما أكملتُ الثانوية العامة آنذاك حيث كنتُ تلميذ طيار مثلما أنت بدأت ولم أستطع إكمال متطلبات التخرج لظروفٍ صحية.
التحقْتَ بعد تخرجك في القواعد المقاتلة وكبرتَ وتدرجتَ بالخبرات والرتب حتى غدوتَ بشهادةِ زملاءك وقادتك من خيرة طياري سلاح الجو مهنةً وإحترافاً وإنضباطاً وإخلاصاً لوطنك ومليكك المفدى.
لم أكن أعلمْ أن القدرَ يُخبئُ لي فاجعة. …إلى أن كان يوم الخميس الموافق الحادي والثلاثين من آذار عام ٢٠١٦م…..وأي فاجعةٍ كانت يا معاذ !!!! …فاجعةً قصمت ظهري وتركتني نهباً للأحزانِ وآلام الفراق.
زفّكَ الى مثواك الأخير في مراسم عسكريه مهيبة ، تليق بمن قدّم روحه رخيصةً في سبيل الوطن آلافٌ مؤلفة من أبناء الأردن الحبيب وحمل زملاءك المكلومين نعشك ملفوفا بعلم الأردن الحبيب على اكتافهم ، ذلك العلم الذي قُدّمَ هديةً لي من معالي رئيس هيئة الاركان المشتركة آنذاك بعد أن ووريتَ الثرى.
ضجتْ شجوني وكادَ القلبُ ينفطرُ
والعيـنُ تذرفُ والاضلاعُ تنـكسرُ
تَضَعْضَعَ القلبُ من ترحالِ مُهْجَتِنا
أضحتْ دموعيَ كالطوفانِ تنهـمرُ
كم من عزيزٍ سقاهُ الحتفُ شربَتهُ
كأنّهُ خلفَ ذاكَ الليلِ يـسـتـتـرُ
معـاذُ عيـنيَ رمـداءٌ ٌدهى بهما
قَذْيٌّ تلاشى على آثاره البصرُ
معاذُ يافرقداً كالبدر حين بدا
مذ غبتَ عنّي فلا شمسٌ ولا قمرُ
معاذُ حيّاً وفي الجنات منزله
اليس ذاك بوعد الله يا بشرُ؟
لولا القضاءُ لَمَا سالتْ مدامِعُنا
حكمُ الإلٰه،وذاكَ الحكمُ والقدرُ
اليومَ نودِعُ في الاجداثِ مهجتنا
وفي الغداةِ علينا الدورُ ينتظرُ
نم قرير العين يا ولدي ، فَزغبُ الحواصل هم قرةَ العينِ وبؤبؤها….سلامٌ على روحك الطاهرة يوم ولدتَ ويوم متَ ويوم تبعث حيا
عيدك في الفردوس الأعلى يا أبا هاشم بإذن الله وأسأله تعالى أن يجمعنا بك وقد شفعت لنا يوم اللقاء.