كانوا أهلنا يحرصون على عدم تعرضنا لأذى العالم الآخر-عالم الجن المجهول - عن طريق المهادنة كتعليق التمائم والبخور أو تجنبه بترديد بعض المقولات المأثورة التي يتضح من بعضها وكأنها تخذيرا من طرفنا لا يحق للجن أو سكان ماتحت الأرض التعرض لنا، لقد كانوا على قناعة تامة أن هناك أخرين يسكنون تحت الأرض ولهم حياتهم وعائلاتهم مثلنا تماما.
ماقبل دخول مصارف المياه الحديثة في بيوتنا كالمغاسل و المجلى كنا نرشق المياه الساخنة على الأرض، اكثر تلك المياه سخونة كانت بعد غلي الملفوف والزهرة، حيث نتخلص منها لشدة رائحتها فورا خارجيا.
كانت تطلب مني جدتي عندما اذهب لسكب الماء الساخن في الخلاء أن أردد "حطوا طوسكم على روسكم اجتكم ميه حاميه" وهذا تحذير لهؤلاء المجهولين عنا واعلمهم كي يحكوا أنفسهم مبدئيا، فلا يؤذني كوني لم أفاجأهم، من شدة خوفي على حرق طفل لهم ولسعة خيالي كنت اتمتم واسكب الماء على هون، منها لتبريده، ومنها كي أعطيهم الوقت الكافي لرفع الطوس فوق رؤوسهم.. من كل عقلي. فمن لا يتقيد بما فعلت قد يضربونه ويصاب على أقل تقدير بمرض أو حالة "أبو الوجوه".
"أبو الوجوه" نفسه ما يطلق عليه"الجقم" والمعروف علميا وطبيا بالعصب السابع. فعندما يصاب به شخص كنت أرى َوأسمع الكبار يتحدثون وهم يستعيذون ويسمعون بأسم بالله... ياربي دخيلك.. صحا فلان الصبح "اثمه. فمه" عند عنقوره.. تعبيرا عن شدة تغير موقع الفم.. .. أكيد مضروب.. دارهم مو نظيفة.. مسكونة.. شو مساوي.. معقول كاب شي ومو مسمى بالليل ..
تبدأ رحلة العلاج بتذكر اسماء "الفقرا" وذكر معالجته لحالات مشابهة.. حتى يرسي القرار اخيرا على زيارة" فجير معين" مُصيت بشهرته، معروفة سلالته بمعالجة "أبو الوجوه" يتذكرون عدة اسماء أصيبت.. فلان وفلانه وفلان الذين عجز الطب عن علاجهم وشفيوا على يد" الفجير" الفلاني في القرية الفلانية... ياعمي اتركم من قصص "التكاترة" كذابين مايعرفون شي.. خذوه لفلان.. حنا داخلين على جدوده.. لا تساوون مثل عيال فلان، ظلوا يركضون بأمهم هك السنة من تكاترة عمان للزرقا وما استفادوا غير كت المصاري..
يؤخذ المصاب لزيارة "صاحب الكرامة" يظل عنده أيام.. نسمع ممن يذهبون لزيارة المصاب أن الفجير كل صباح يتفل على وجه المصاب/ه، ويضربه بحذاء الذي ورثه عن أجداده، حذاء فيه الشفاء التام بإذن الله... قد امر سبعة أيام، يعود بعدها الشخص ويكون قد شُفي وعاد فمه تقريبا كما كان سابقا.. بعد أيام يصح بها جسده يذهب ذاك الشخص وأهله لزيارة الفجير مرة أخرى ويذبحون في بيته ذبيحة.. "شكرانية" وتقدمة لذوي الكرامات وأجداده الذي ورث عنهم ماورث من طريقة.... يا عمي قلنالكم من أول مالكم بعد الله غيره.. فكونا من سوالف التكتره..
كنت أحلل وأنا أستمع لما يدور من نقاشات، مابين مصدقة و مُكذبة ، لابد أن التفل على الوجه والضرب بالحذاء يحرك نوعا من الإستثارة و رفض اللاوعي لهكذا فعل، إضافة للدور النفسي في كل العملية.. لكن لم أكن أتجرأ حينها على البوح بما أفكر به إطلاقا.. ولو صرحت بذلك.. لهاموني بيدهم وقالوا..هص هص.. لا تنجقمين يا بنت....
هذا ما كان يحدث فيما مضى .. لا أدري.. قد مايزال يؤخذ يه أيضا..
الفجير :الفقير.. فقير لله.. رجل صالح.. يطلق على من يعالج الناس من مس العوالم المخفية.. وهذة وراثة ولا علاقة لها بالسحر