نبدأ بعام 1799م، حيث قدم نابليون بونابرت إلى فلسطين، فخرج لقتاله عدد كبير من البدو أغلبهم من بني صخر، فاصطدموا والجيش الفرنسي الذي كان تحت قيادة القائد كليبر في مرج ابن عامر، وكادوا ينتصرون عليه لولا وصول نابليون بمدد فانغلبوا وتقهقروا.
كان من نتيجة تلك المقاومة الشديدة للجبش الفرنسي أن نابليون دخل الناصرة وطبريا فقط، ولم يتعد إلى شرقي الأردن أبداً.
وقام الثوار السوريون بدعم من الوطنيين الأردنيين بمقاومة الهيمنة البريطانية على الأردن ليظل قاعدة لتحرير سوريا من الفرنسيين، كما قاموا بمحاولة اغتيال الجنرال غورو عندما توجه إلى القنيطرة، وعلى إثر نجاة الجنرال من هذه المحاولة، طلب المندوب السامي البريطاني من حكومة شرقي الأردن تسليم (المجرمين) لمحاكمتهم، وحاول فردريك بيك إلقاء القبض على أحمد مريود في جبال عجلون، فقامت مظاهرة في عمّان شارك فيها مثقال الفايز وحديثة الخريشا، فاتهمت بريطانيا هؤلاء بدعمهم لحزب الاستقلال السوري والتخطيط لتحريك البدو للوقوف إلى جانبهم.
ومن أبرز من وقف إلى جانب الثورة السورية الشيخ حديثة الخريشا، الذي كان يقدّم لهم الرواحل والأدلاء والطعام.
وفي مؤتمر صلح عشائري عام 1926م، حضره سمو الأمير عبدالله بن الحسين، طالب بعض الشيوخ بوقف فضائع الفرنسيين في سوريا، وقالوا: إن الشرف يقتضي منا نجدة إخواننا في سوريا. فلم يرق ذلك لفردريك بيك فأبدى استياءه قائلاُ: إن صلحاً كهذا يضرنا ولا ينفعنا، وإن السياسة الحكيمة التي يجب على كل حكومة انتهاجها في بلد كالشرق العربي، هي التفريق بين العشائر، وذلك لأن في اتحادها إزعاجاً لبريطانيا، بسبب كثرة طلباتها.
وكثيراً ما كانت القوات الفرنسية تجتاز الحدود الأردنية لملاحقة الثوار السوريين، فاصطدمت بعشائر الجبور من بني صخر الضاربة في منطقة المفرق، فيما يعرف بكون سما السرحان شمالي الأردن وذلك لأن عشائر الجبور كانت قريبة من الحدود السورية الأردنية وكانت تتوغل أحياناً داخل الحدود لمساعدة الثوار، فقام الجيش الفرنسي بإرسال قوة عسكرية مؤلفة من عدد كبير من الخيّالة والسيارات المسلحة بالرشاشات، لرد الجبور وتأديبهم ولما وصلت أنباء تقدم هذه القوات إلى مضارب الجبور، قام الرجال بتفريغ البيوت من ساكنيها من الأطفال والنساء، ونقلوا مواشيهم إلى مكان آمن، حتى لايستولي عليها الفرنسيون، ثم تمركز الفرسان منهم في أطلال خربة سما السرحان استعداداً لملاقاة الغزاة.
وفي هذه الأثناء وقع محمد السكران الجبور أسيراً في أيدي الجنود الفرنسيين، فخدعوه بقولهم له: نحن ضيوف على قومك، ولا ننوي مهاجمتهم، فعاد إلى قومه، ونادى بهم أن يفرشوا للضيوف، وطمأنهم إلى حسن نية الفرنسيين، فخرج رجال الجبور من مكامنهم لاستقبال الضيوف، فأصلتهم القوات الفرنسية بنيران رشاشاتها فقتلت وجرحت عدداً منهم.
ولكن فرسان بني صخر صمدوا أمام هذا الهجوم الغادر واستبسلوا دفاعاً عن أعراضهم وأموالهم وأرواحهم وبيوتهم، وتمكنوا بعد معركة استمرت من الصباح حتى غروب الشمس من دحر الفرنسيين، وردوهم على أعقابهم، بعد أن كبدوهم خسائر كبيرة في الأرواح، ومن فرسان بني صخر الذين ظهرت شجاعتهم في تلك المعركة، سالم النملي الدهام، وفيه يقول الشاعر:
سالم النملي يا النجاب *** من فوق الحمرا المذواب
للروح القشرا جلاب *** يا طير أبشر بالعلف
ومنهم عكلي الشوشري ونمور العوين من الدهام، ومحمد السكران ونصير بن عقيل من الفريج، ومكازي الجريبيع من خضير، وغيرهم من الفرسان.
وقد سجّل أحد الشعراء تلك الموقعة بقصيدة منها:
مدّينا يم الشمالي *** وعليهم جينا حوالي
يذكر به عشبن وميه
نزلنا بأرض الضليلي *** عشبن وغدران وسيلي
هذيك العشبة الهنية
نزلنا بأم الجمالي *** نرعى بحلوات المفالي
وهاك الديار العذية
نزلنا بأم السربي *** بالغصب ما هو بالحبي
ونزلنا بسما وسكوري *** على أراضيها للخوري
وبعقلي أرضه رديه
ومنها:
وإني بالصايح يصيح *** يصيح ابراس البنية
يصيح ويفرط بشروشه *** تقل ملابطته جنيّة
أهل العرفا يا عزي *** جتنا فرنسا تكزّي
يا الربع أعطوهم الضدي *** أصفر الملح يفدي
قميص وراه استاره
ردوا عيال الدهامي *** وصاروا لفرنسا اخزامي
يوم المنايا حضارة
وردوا عيال الفريجي *** ابنهار اينشف الريقي
يوم المكان سعاره
راعي العليا ماذلي *** بيده صواري عصملّي
يلكد عالجيش ولايذلي *** ومكازي يذن بالغارة
وبعد هذه الموقعة، أصدر حزب الشعب الأردني بياناً، ندّد فيه بانتهاك القوات الفرنسية للأراضي الأردنية، وأصدروا بياناً جاء فيه: (وإن تعرّض الجيوش الفرنسية لعشيرة بني صخر قي عقر دارها، وقتل النساء والأولاد، قد أقام البلاد وأقعدها، وجعلها تتحفز لعمل قد يكلف تلك الدولة ثمناً غالياً).
واستمر بنو صخر يدعمون الثوار السوريين ويؤونهم ويتظاهرون انتصاراً لهم. وكالات ..