أصدق مكان يرى فيه الإنسان نفسَه هو المكان الذي يختلي فيه مع نفسه " الخلوة الروحية"، حيث يَختلى مع نفسه ويضع نفسه بين يدي الله. في هذا المكان لا يقدرُ الإنسانُ أن يخدع نفسه لأنه في مرآة أمام نفسه وفي محضر الله.
ففي زحمة الحياة اليومية يصعبُ على الإنسان أن يرى حقيقة نفسه لأنّ النفسَ تطلبُ شهواتها ولذاتها ولا تطرب إلا على أنغام أنانيتها، فلا تخدع النفس فقط الآخرين بل أيضاً تخدع ذاتها، ولذلك يحتاج الإنسان إلى خلوة روحية يومية يقفُ الإنسان فيها عارياً أمام نفسه ويرى حقيقة نفسه أين أصاب وأين أخطأ، أين نجح وأين أخفق، مما يدفعه لينطلق بقوة أكثر للأمام فيما أصاب، وفيما لم يصيب أن يصححَ خطأه بمراجعة الذات والرجوع عن الخطأ وكما نقول "الرجوع عن الخطأ فضيلة"، إذ ليس أعظم من راحة الضمير، والضمير هو صوت الله فينا، والضمير لا يخطأ أبدا لأنه يُنبهنا ويُؤنبنا ويُثني على جهودنا.
ومن غير راحة الضمير لا يمكن للإنسان أن يحيا سعيداً براحة البال وأن يُكرّسَ كامل طاقاته وإمكاناته في العمل الموضوع أمامه. فالعمل والنجاح يحتاجان أن يكونَ الإنسانُ متصالحاً مع ذاته ومتصالحا مع الله. يحتاج الإنسان أن يكون صادقاً مع نفسه ليقدر أن يكون صادقاً في أداء واجباته المنوطة به والتي تتكامل مع الأعمال الصادقة التي يؤديها الآخرون. وهذا هو مفهوم المجتمع الإنساني الذي نحيا فيه لأننا نكمّل بعضنا بعضا. فلا يصّح أن يكون عمل أحدهم ناقصاً، فعندما يقصِّرُ أحدٌ في أداءِ واجبه فهذا إنما يضّر بحياة المجتمع وحياة الناس. فأهَّمُ شيء نحتاجه في حياتنا هو الصدقُ مع أنفسنا، فهذا يعبّد الطريق أمامنا لنقدِّم خير ما عندما مهما كان بسيطاً لكن أن نقدمه بصدق ومحبة وعطاء. قالت الأم تيريزا يوماً قديسة كالكوتا في الهند " ليس المهم أن نقدم أعمالاً عظيمة لكن أعمالاً صغيرة بمحبة".
لنتذكر أنّ الإنسانَ ليس آلة صمّاء لكنه مخلوق روحي يتوجب عليه أن يحيا حياة الروح في قلبه لتكون حياتُه نابضة بالحب والخير والجمال، وإلا لا قيمة لحياتنا البشرية على الإطلاق.