تكشف مذكرات محسن البرازي؛ الدبلوماسي الذي تقلد أكثر من منصب وزاري خلال عقد الأربعينيات من القرن العشرين، ثم أصبح رئيس وزراء للجمهورية العربية السورية في العام 1949، "قطعة من تاريخنا الدامي الحديث" بحسب الوصف الذي أطلقته عليها جريدة الحياة عند نشرها للمرة الأولى في عام 1953.
وبعد صدورها للمرة الثانية في العام 1993، تصدر المذكرات مجددا في نسخة ثالثة أعدها وقدم لها بشكل موسع د. محمد م. الأرناؤوط، وذلك عن دار "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن، في 186 صفحة من القطع المتوسط.
وتكشف المذكرات، بحسب الأرناؤوط: "خفايا السياسة العربيَّة منذ عام 1947 حتى عام 1949؛ أيْ في السنتين اللَّتين تدافعت فيهما أحداث فلسطين –من طلائعها إلى وقائعها إلى ذيولها- وراء ستار كثيف من التعمية والتمويه والنِّفاق ستكشف أوراق البرازي جانبا منه".
وقد أفادت هذه الطبعة الثالثة من الأرشيف الشخصي للبرازي ومن الدراسات التي صدرت خلال العقدين الأخيرين، الأمر الذي جعل من الضروري نشرها مرة جديدة، مع المحافظة على صيغتها الأصلية وتنقيتها من الإضافات التي لحقتها في طبعتها الأولى.
ويرى الأرناؤوط أن المذكرات تأتي في سياق الاهتمام بكتابة التاريخ السوري المعاصر، ويأمل أن تحظى شخصية البرازي، من خلالها، بما تستحقه، وأن تلقي الضوء على جوانب مختلفة لشخصيَّة سوريَّة مهمَّة لم تأخذ حقها من البحث والاهتمام.
وسجل البرازي في يومياته هذه زياراته السَّريعة إلى السُّعودية ومصر والعراق والأردنّ ولبنان، وذلك في وقت كانت المنطقة تشهد فيه حربا عربية إسرائيلية، وصراعا داخليا موازيا بين المحور الهاشمي في كل من الأردن والعراق، والمحور المنافس له في المملكة العربية السعودية ومصر وسورية.
واهتمت حركة القوميين العرب بهذه المذكرات، وكانت وراء نشرها للمرة الأولى في عام 1953، بسبب ما تكشفه من فرقة وصراع في الصف العربي، في وقت كان على العرب فيه أن يوحدوا جهودهم للوقوف في وجه الخطر الصهيوني المتربص.
ومما جاء في مقدمة تلك الطبعة، واحتفظت به المذكرات الصادرة حديثا: "إنّ قضيتنا العربية بحاجة إلى رجال يؤمنون بأن الإصلاح العميق والتقدّم الأكيد يجب أن يتناولا الخلق القومي، وأن العمل الأساسي يبدأ دائما في عقل الفرد وقلبه بعيدا عن الصخب والفتن. ولن تكون هذه المذكرات الدفعة الوحيدة، بل ستتبعها دفعات تنبض بالحياة وتزكي روح الوطنية، وتُلهب الشعور القومي، فكلما كبرت هموم الوطن، وعظمت مصائبه، ازداد لهبه في القلوب".
وقد حصل محسن البرازي على درجة الدكتوراة في الحقوق من جامعة السوربون عام 1929. وبرز ناشطا عروبيا خلال دراسته في باريس (1922-1929)، فترأسَ "الجمعية السورية العربية" هناك، وكتب بالفرنسية والعربية مطالبا بإنهاء الانتداب، وشارك عام 1933 في مؤتمر قرنايل في لبنان لتأسيس "عصبة العمل القومي"؛ وهي الفترة التي أصبح فيها أكاديميا معروفا بعمله في معهد الحقوق ومؤلفاته في القانون، لكن السياسة اجتذبته منذ عام 1941، ليصبح وزيرا للمعارف في حكومة خالد العظم الأولى ويتابع صعوده إلى أن أصبح رئيسا للوزراء عام 1949.
ومن الجدير ذكره أن د. محمد م. الأرناؤوط مؤرخ كوسوفي سوري ناشط منذ ثمانينيات القرن العشرين. صدرت له مجموعة كبيرة من المؤلفات الشخصية التي تناولت: تاريخ ألبانيا والبلقان عموما، وتاريخ سورية والبلاد العربية، والتفاعل الحضاري بين المنطقتين.
وصدرت له كذلك مجموعة كبيرة من الكتب المحققة والمحررة والترجمات.