دعا المستشار الألماني أولاف شولتس، اليوم، إلى وضع "خطة مارشال" لإعادة إعمار أوكرانيا حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها.
وقال شولتس، خلال مؤتمر دولي لإعادة إعمار أوكرانيا، تستضيفه برلين، إن هذه "مهمة للأجيال يجب أن تبدأ الآن"، متعهداً بدعم أوكرانيا طالما كان ذلك ضرورياً.
يعيدنا مصطلح "خطة مارشال" إلى أربعينيات القرن العشرين، حين خبت نار الحرب العالمية الثانية، ليعلن وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال، في 5 يوينو 1947، مشروعاً اقتصادياً لإعادة إعمار أوروبا، بإشراف «منظمة التعاون والاقتصاد الأوروبي» التي شكلتها حكومات غرب أوروبا، للإشراف على إنفاق نحو 13 مليار دولار أمريكي، حيث ساهمت هذه الأموال في إعادة إعمار وتشغيل الاقتصاد والمصانع الأوروبية.
دمار هائل
نتائج الحرب كانت كارثية بكل المقاييس، والخسائر البشرية كانت الأكثر فداحة، حيث بلغت ما بين 55-60 مليون قتيل، وما يصل إلى 100 مليون بين جرحى ومشوهين ومتضررين.
أدت تلك الحرب إلى تدمير الاقتصاد الأوروبي، وظلل الفقر والبطالة أنحاء أوروبا، فكان لابد للولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أقوى اقتصاد آنذاك، من تدارك الأمر قبل أن تستغل الشيوعية الوضع وتنتشر في أوصال القارة العجوز.
مثلاً، بلغ الدين الخارجي لبريطانيا رقماً فلكياً لامس 25 مليار جنيه استرليني، وانخفض الإنتاج في ذلك الوقت في بعض الصناعات بنسبة 25-50% عن مستويات ما قبل الحرب. أما فرنسا ففقدت 60% من إنتاجها، في حين قسمت ألمانيا إلى عدة مناطق. وفقدت إيطاليا 25% من إنتاجها.
الولايات المتحدة بحكم بعدها جغرافياً عن ساحات الحرب، لم يكن وضعها بائساً، بل يمكن القول إن الاقتصاد الأمريكي ازدهر بعد الحرب، بناء على خطة مارشال.
كلفة واعتبارات
التاريخ الآن يعيد نفسه بنموذج أصغر وهو أوكرانيا، مع فارق في الكلفة طبعاً، ومع أن خطة مارشال الأصلية انطلقت قبل انتهاء الحرب في كل أنحاء أوروبا (تسلمت اليونان مساعدات وحربها الأهلية دائرة)، إلا أن كثيرين يرون أن تحديد رقم لكلفة إعادة الإعمار مستحيل ورحى الحرب دائرة في أوكرانيا.
كان نحو 90% من أموال خطة مارشال الأصلية في هيئة منح، و10% فقط منها في هيئة قروض. اليوم، يدعو بعض المراقبين القوى الغربية إلى ضمان سندات جديدة تصدرها الحكومة الأوكرانية، ما سيخفض تكاليف اقتراض الحكومة الأوكرانية لتوفير الأموال لإعادة البناء، لكنه سيتركها مثقلة بقدر أكبر من الديون.
هناك معضلة أخرى تواجهها أوكرانيا، وهي أن برامج إعادة الإعمار المعتمدة على المساعدات، سيكون بوابة للتدخل الأجنبي وهو أمر حساس بالنسبة للأوكرانيين، لكن لا مناص، ستشكل هيئة مستقلة لإدارة المساعدات تكون مسؤولة أمام الحكومات المانحة.
فتحت "خطة مارشال" الباب واسعاً أمام أوروبا لاعتماد أساليب تصنيعية حديثة، مع انفتاحها على الصناعات الأمريكية في ذلك الوقت، وأمام أوكرانيا فرصة مماثلة لحرق الزمن في اتجاه اعتماد نظم طاقة مستدامة، وتجديد بنيتها التحتية بشكل جذري، وتخطيط مدنها حضارياً وبمعايير عالمية.