عقد انسجاماً مع ثوابته الوطنية في ظل دولة المؤسسات، حاول الشيخ حمد المصالحة الدائمة ما بين قبيلة "الحويطات " وقبيلة بني صخر " ، قبل مؤتمر المصالحة الذي عقد في " الكرك" برعاية الأمير عبد الله بن الحسين. وقد اتفق مع الشيخ "عودة أبو تايه على ذلك، يقول المجاهد أحمد مريود في مذكراته: "حاول مشايخ الحويطات - قبل وفاة الشيخ عودة أبو تايه - أن ينهوا حالة العداوة القائمة بين قبيلة " الحويطات" وقبيلة "بني صخر "، إلا أن الظروف وقتذاك حالت دون ذلك، وجرت لقاءات ثنائية بين مشايخ القبيلتين، مثل "الحويطات" الشيخ " حمد الجازي " والشيخ " عودة ابو تاية "، ومثل "قبيلة بني صخر "الشيخ حديثة الخريشة " والشيخ مثقال الفايز" ، وكنت والأخ "مصطفى الخليلي" الشهود على حالة النقاشات والحوارات الإيجابية بين الطرفين.
وتم التوصل إلى ترتيب مراسم الصلح. ويبدو أن طرفاً ثالثاً كان السبب في تأخير الصلح " قيل إن الطرف الثالث هو شيخ مشايخ الرولة، الذي يضره مثل هذا التفاهم بين (1)" الحويطات والصخور وقيل أيضاً إن الضابط البريطاني فردريك بيك) كان وراء العداوة بني الطرفين، وإن (بيك ) كان غاضبا من فكرة المصالحة بين الحويطات والصخور (Y)" ولكن حالات الصلح بين القبائل لم تتم إلا في نهاية عام ١٩٢٥م، وبخاصة بين قبيلتي "الحويطات" و" الصخور " ، وبرعاية الأمير عبد الله ، وبإشراف الشريف شاكر بن زيد ( وزير شؤون العشائر) ، في مؤتمر عام عقد في مدينة " الكرك"، حضره زعماء ومشايخ ووجهاء العشائر الأردنية من جميع المناطق. وحول هذا المؤتمر، يقول الدكتور ممدوح الروسان نقلاً عن الشيخ سليمان السودي الروسان الذي كان مشاركا في هذا المؤتمر: يعتبر اللقاء التصالحي ما بين قبيلتني "الحويطات" و"بني صخر" عام ١٩٢٥م. الخطوة الأولى في الحد من سفك الدماء العربية في البادية الأردنية، وبرعاية مباركة من أمير البلاد، وبنخوة عربية بدوية سُجلت للزعيمين حمد بن جازي و مثقال الفايز .. وتزامن الصلح العشائري مع انطلاقة الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي لسورية، حيث أعلن الشيخ حمد بن جازي أمام مئات من مشايخ البلاد أن: ...
سلاح المحاربة سنرسله إلى إخواننا أحرار سورية ، ومثل هذا القول العروبي القومي قاله أيضاً الشيخ "مثقال الفايز"، أمام وقوف وتصفيق ومباركة كل من حضر هذا العرس الوطني ومن وثائق هذا اللقاء الشعبي التصالحي، نورد النص التالي الذي جاء في الصفحة السادسة لملخص (سيرة الشيخ حمد بن جازي)، محفوظة في أرشيف إذاعة جامعة اليرموك "حمد أسهم الشيخ حمد" "باشا" بإنهاء الغزو وقضايا الدم من خلال المعاهدات والاتفاقات التي تسمى عند البدو الحفار والدفان، وكان قد طرح هذا الموضوع رسمياً لأول مرة في شرق الأردن عام ۱۹۲٥م، حيث كانت قبيلتا "الحويطات" و"بني صخر" أكثر القبائل الأردنية بداوة آنذاك، وكانوا يُشكّلون مركز الثقل الأكبر في الأردن... من هناك، كان اهتمام الدولة بإحلال الوئام بينهما. وعلى ما تقدم، فقد تم الاجتماع والاتفاق ما بين حمد باشا الجازي" ، شيخ مشايخ "الحويطات"، و"مثقال باشا الفايز ، شيخ مشايخ بني صخر "، والذي تم تحت إشراف الأمير بالكرك عام ۱۹۲۵م ، وأعلنوا مبدأ ( الحفار والدفان) على جميع القضايا المعلقة فيما الله عبد بين القبيلتين. هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى العشائري، فقد كانت العشائر الصغيرة المجاورة لهما تعتبر تابعة لهما فيما يتعلق بالمعاهدات والاتفاقات القبلية، حيث أعتبر حينها (الحجايا) ومنهم (المناعين ) من "الحويطات"، بينما اعتبر (السلايطة) أنهم من "بني صخر "... ومن خلال ذلك، نجد أن كلاً من "حمد باشا الجازي" و"مثقال باشا الفايز " ، مثلاً ،عشائرهما ، وكانا مفوضان لتوقيع معاهدة نسيان الماضي مع الآخر، وإعلان ( الحفار والدفان) لإغلاق قضايا الدم، ونبذ الخلافات وطمسها، فارتأوا فتح صفحة جديدة من العلاقات الاجتماعية، والحياة التي تتطلب التألف والتكاتف (۱).
إن الأمر قرار سياسي، لذلك، اتخذه الشيوخ ووقعوا عليه وتحملوا مسؤوليته، أما سمو الامير عبدالله ، فقد حضر هذا الاتفاق كنوع من المباركة وإعطاء الزخم والدعم ليرى النور فتجتمع كلمة الناس المتحالفة، فيصبحوا أسرة واحدة. (1) " 11 11 بعد هذا الاتفاق التاريخي ما بين الزعيمين الوطنيين حمد باشا الجازي والشيخ مثقال باشا الفايز" ، أسهم الشيخ حمد بتوطين البدو وإبعادهم عن الغزو، وكذلك قام بخطوة ذكية تمثلت بتشجيع أبناء "الحويطات" على الإنخراط في صفوف القوات المسلحة الأردنية، فحدّ ذلك، وبشكل كبير من الغزو والمحاربات الداخلية والخارجية وبذلك انتهت هذه العادات بين أفراد البادية، ورست قواعد الأمن والطمأنينة في ربوع الصحراء التي كانت مسرحاً لعمليات الغزو والاعتداء، وذلك انسجاماً مع روح العصر، والتطور الحضاري الذي شمل البادية الأردنية، وبخاصة بعد فتح المدارس وانتشارها في البادية، وكان لشيوخ الدين الدور المميز في ذلك بعد بناء المساجد وانتشارها في المناطق الأردنية. أما الاعتداءات الأكثر بشاعة، فهي التي جاءت من جانب جيش الاحتلال الفرنسي. حيث كانت قواته تجتاز الحدود السورية الأردنية لملاحقة الثوار وأحرار سورية داخل الأراضي الأردنية، وذلك بتشجيع من القوات البريطانية، وذلك تنفيذا للتفاهم المشترك بين الانتدابين (البريطاني والفرنسي)...