يتباهى العديد من الأشخاص بقدرتهم على التمكّن من إتمام المهام الموكلة إليهم خلال اليوم، رغم عدم حصولهم على قسطٍ جيّد من النوم والراحة قبل ليلة. غير أنّ النوم عالي الجودة أساسي للصحّة العامة، والحرمان منه قد يؤدي إلى آثار سلبية.
في حين أنّ بعض أعراض قلّة النوم، مثل الشعور بالتعب والعجز عن التركيز، واضح تماماً، إلّا أنّ هناك علامات أخرى قد يصعب ملاحظتها، أبرزها ما كشفه أخيراً رئيس قسم طب النوم في «University of Maryland School of Medicine» الطبيب، إمرسون ويكواير:
الضُعف المعرفي
أثبتت الأبحاث العلمية التي أُجريت على مرّ السنين، أنّ النوم أساسي للوظيفة الإدراكية. يعني ذلك أنّ قلّة النوم تملك انعكاسات سلبية عديدة على الدماغ بحيث إنّها تُلحق الضرر بوظائفه بما فيها القدرة على التذكّر، والتركيز، واتخاذ خيارات جيّدة. لا بل أكثر من ذلك، اقترحت الدراسات الأخيرة أنّ الحرمان المُزمن من النوم يعزّز خطر التدهور المعرفي مع التقدّم في العمر، بما فيه الألزهايمر. وبالفعل، فقد وجدت دراسة نُشرت عام 2021 في «Nature Communications» أنّ الأشخاص في منتصف العمر (50 و60 عاماً) الذين ينامون 6 ساعات أو أقلّ في الليلة ارتفع لديهم خطر التعرّض للخرف لاحقاً بنسبة 30 في المئة مقارنةً بالذين ناموا 7 ساعات كل ليلة.
إنخفاض القدرة على محاربة العدوى
يمكن لقلّة النوم أن تُعرّض صاحبها أيضاً للمرض! يرجع السبب إلى أنّه أثناء النوم، يستعيد الجسم طاقته ويقوم بإصلاح نفسه. إنّ نقص النوم يؤثر في الجهاز المناعي. أثناء النوم، ينتج الجسم مزيداً من السيتوكينات التي تخلق استجابة التهابية، ما يساعد في التعافي عند المرض ومكافحة العدوى، وفق «Mayo Clinic». بالإضافة إلى ذلك، بيّنت دراسة نُشرت عام 2015 في «Sleep» أنّ الأشخاص الذين ينامون لأقلّ من 6 ساعات في الليلة هم أكثر عرضة لنزلات البرد. وبالمثل، يستطيع الحرمان من النوم التأثير في قدرة الجسم على بناء استجابة الأجسام المضادة للتطعيمات. ونظراً لأهمّية لقاح «كوفيد-19» واللقاحات الأخرى، قد يتفاجأ العديد من الأشخاص بمعرفة أنّ قلّة النوم ليلاً تُقلّل من فعالية اللقاحات. وبالفعل، فقد خلُصت مراجعة نُشرت خلال حزيران 2022 في «Yale Journal of Biology and Medicine» أنّ النوم الجيّد ليلاً قد يدعم الاستجابة المناعية بعد التطعيم.
زيادة الوزن
في حال اكتساب الوزن بِلا أي مُبرّر، فإنّ نقص النوم قد يكون المُلام. إنّ الحرمان من النوم يعبث في الهورمونات التي تنظّم الشهيّة وتفكّك الغلوكوز، ما ينعكس سلباً على الوزن. ولا يتطلّب الأمر سوى اضطراب بسيط في روتين النوم اليومي لملاحظة هذه الآثار. فمع ليلة واحدة من الحرمان الجُزئي من النوم، يشعر الإنسان بجوعٍ إضافي ورغبة أكبر في تناول المأكولات الغنيّة بالسعرات الحرارية والسكّر والدهون. كذلك توصّلت دراسة نُشرت عام 2019 في «Journal of Lipid Research»، أنّ قلّة النوم تؤثر في طريقة تخزين الجسم للدهون من الطعام. فقد اكتشف الباحثون أنّ الأشخاص الذين عانوا من قلّة النوم لـ4 ليالٍ فقط خزّنوا دهوناً إضافية في أجسامهم.
تقلّبات المزاج
إنّ النوم أساسي للصحّة، بما فيها الصحّة النفسية. إستناداً إلى «Columbia University Department of Psychiatry»، يلعب النوم دوراً محورياً في وظائف دماغية معيّنة تنظّم المشاعر والسلوكيات. وبالتالي، عند الافتقار إلى ساعات نوم جيّدة، يصبح الشخص أكثر عرضة لتقلّبات المزاج والشعور بالكآبة، أو القلق، أو العصبية. في الواقع، أظهرت الأبحاث أنّ النوم غير المُرضي والكافي قد يزيد الاستجابات العاطفية السلبية، ويقلّل من القدرة على التعامل مع الضغوظ مهما كانت بسيطة، ويخفّض المشاعر الإيجابية. والأسوأ من ذلك هو أنّ الشعور بالاحباط والتوتر يُفاقم اضطرابات النوم، فتستمرّ المشكلة ويدخل الإنسان في حلقة مُفرغة.