تكشف المواقف في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية عن الوجه الحقيقي"لـ" حامية حقوق الإنسان، وتُطرح الأسئلة التي قد تبدوا صعبة حول سياستها الخارجية، ومتى تكون أمريكا متواطئة في إنتهاكات حقوق الإنسان بدلاً من دعمها لها، ولذلك؛ يريد الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي إسكات وعزل أي أصوات تطرح الأسئلة في هذا الشأن ولاسيما الإنتهاكات المتكررة ضد المسلمين شرقاً وغرباً، فضلاًعن؛ الإنتهاكات الإسرائيلية للفلسطينيين، وكل من يقوم بإنتقاد الصمت الأمريكي للممارسات الإجرامية ضد المسلمين، أو ينتقد إسرائيل بصفة خاصة على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني العزل تُعطل مسيرتة المهنية أو يهمش؟.
وقد شاهدنا منذ أيام قليلة، واقعة "كينيث روث"مدير منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان السابق، الذي إنتقد الإنتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فرفضت جامعة هارفارد الأمريكية منحةُ الزمالة، وعنونة الصحف الغربية، والعربية حينها على صفحاتها، وكانت أبرزها«إنتقاد إسرائيل يعطّل مسيرتك المهنية»، وأخرىٌ«إنتقاد إسرائيل يقود إلى التهميش»، واليوم نشاهد وقعة نائبة الكونغرس المسلمة" إلهان عمر" حيث عونة الصحف الغربية أمس الخميس عقب الإعلان عن حشد الجمهوريون لإستبعاد"إلهان عمر" من لجنة الشؤون الخارجية بعدما طرحت أسألة حول تواطئ الولايات المتحدة في إنتهاكات حقوق الإنسان.
وعنونة الصحف بعدها بساعات قليلة أمس «مجلس النواب الأميركي يعزل إلهان عمر من لجنة العلاقات الخارجية»، وقد صوت مجلس النواب الأميركي، الذي يقوده الجمهوريون، على قرار يقضي بعزل النائبة الديمقراطية المسلمة"إلهان عمر" من لجنة العلاقات الخارجية، وكان رئيس مجلس النواب "كيفين مكارثي" قد قال؛ إنه واثق من إمكانية عزل النائبة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا من لجنة الشؤون الخارجية بموجب إجراءات الطوارئ في وقت سابق أول أمس الأربعاء.
وأكد"مكارثي" نفسه لشبكة" CNN"، يوم الثلاثاء الماضي، أنه صوّت على عزل"إهان عمر" من اللجنة، تماشياً مع الوعد الذي قطعه العام الماضي قبل أن يفوز الحزب الجمهوري بالسيطرة على مجلس النواب،
وإلى هذا، يطالب القرار الذي صدر الثلاثاء بإقالة "النائبة" بسبب بعض التصريحات المثيرة للجدل حسب وصفهُ عن اليهود، ومعاداة السامية، والتي أدلت بها في عامي 2019 و2021، والتي قال كثيرون على جانبي الطيف السياسي إنها معادية للسامية.
وقد إستعد الجمهوريون في مجلس النواب لإرتكاب خطأ فادح، وهو عزل النائبة المسلمة التي تعُد الشخص الوحيد من لجنة الشؤون الخارجية التي وصفت السياسة الخارجية الأمريكية بإستمرار كما هو الحال علية الآن في كثير من دول العالم، لذا؛ أقول؛ لأولئك الذين وقفوا وراء جهود إزاحة "إلهان عمر" الذين يزعمون أنها متعصبة ضد اليهود، إن المتعصبين الحقيقيين هم أولئك الجمهوريون الذين يسعون إلى طرد امرأة مسلمة سوداء، لمجرد إنها إنتقدت إسرائيل، وإنتقدت سياسة الولايات المتحدة وصمتها الغير مبرر تجاة الإنتهاكات المتكررة ضد المسلمين شرقاً وغرباً، ولاسيما الإنتهاكات الإجرامية المتكرره من الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني العزل، دون محاسبة.
وإلفت: في مقالي إلى أنه وفي عام 2021، سأل تحالف الديمقراطيات خمسون ألف شخص في حوالي 53 دولة عن القوة العالمية التي يعتقدون أنها الأكثر تهديداً للديمقراطية في بلادهم وحقوق الإنسان، وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة الأولىّ، بناءً على بياناتهم العلنية، ويعتبر كل من الجمهوريين والديمقراطيين في اللجنة أنه من المسلم به إلى حد كبير أن الولايات المتحدة، على الرغم من الأخطاء الفادحة في بعض الأحيان، تدافع عن الحرية، وعند مناقشة التهديدات التي تتعرض لها حقوق الإنسان، فإنهم ينسبونها عموماً إلى أعداء أمريكا، والنائبة"إلهان عمر" هي الإستثناء من هذا.
ونتأمل جميعاً ما حدث في جلسة إستماع في أبريل الماضي حول الإستراتيجية الأمريكية في آسيا، وقد أعلن "مايكل ماكول"، وهو نائب جمهوري ويرأس اللجنة الآن، أن إرث الأمريكيين في المحيطين الهندي والهادئ هو الحرية والازدهار!، ثم حذر من أن الحزب الشيوعي الصيني يهددها، وقال "تيد دويتش"، وهو نائب ديمقراطي سابق في مجلس النواب الأمريكي، لنائبة وزير الخارجية "ويندي شيرمان"، إنها فرضية أعتقد إننا جميعاً نشاركها، وهي أن حقوق الإنسان يجب أن تكون في مقدمة سياستنا الخارجية ومركزها، وبعد أن أشاد بإدارة بايدن، وأعضاء اللجنة لتفانيهم في حقوق الإنسان، سأل دويتش عن القمع الصيني في شينجيانغ ومبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط.
ولكن عندما تحدثت النائبة "إلهان عمر" عن التواطؤ الأمريكي في قمع الأقليات المسلمة في الهند، وتساءلت: إلى أي مدىّ يتعين على إدارة رئيس الوزراء الهندي"ناريندرا مودي" تجريم فعل كون المرء مسلماً في الهند، حتى نقول شيئاً ما؟، وما كان هذا إلا لكشفها بشكل غير مباشر عن الوجه الحقيقي"لـ" الدولة التي تزعم أنها حامية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وتم الحشد لإسكات صوتها صوت الحق، وعزلها من لجنة السياسات الخارجية للمجلس المزعوم.
وقد كررت"النائبة" هذه التساءلات نفسها مراراً وتكراراً في السنوات الأربع منذ دخولها الكونغرس الأمريكي، وأعضاء الخمسون في لجنة الشؤون الخارجية يدينون بشدة حديثها، ويتهموها بأنها تطرح أسئلة غير مريحة حول أمريكا، وفي جلسة إستماع في مايو 2021، حول الفظائع الصينية ضد الأويغور والأقليات الأخرىّ في شينجيانغ، تحدثت"إلهان عمر" إلى أن الولايات المتحدة نفسها سجنت 22 من الأويغور في خليج غوانتنامو، وأن الرئيس الصيني قد إستشهد بحرب أمريكا على الإرهاب، بأعتبارها مبرراً لحملة القمع التي قام بها، وفق أحد الشهود الذي يقود مشروع حقوق الإنسان الأويغور على أن تصرفات أمريكا مهدت الطريق لهذا الوصف المريح للأويغور على أنهم جماعة إرهابيةمن قبل بكين.
وأوشير: إلى ماشهدناه في جلسة إستماع للجنة الفرعية لعام 2020 حول تراجع الديمقراطي في إفريقيا، وأعرب النائب الجمهوري "تيم بورشيت"عضو الكونغرس الأمريكي، وعضو لجنة الشؤون الخارجية، عن غضبه من أن بعض الضباط الذين شاركوا في في أحداث مالي قد عادوا مؤخراً من روسيا، وقد أشارت النائبة"إلهان عمر" إلى أن زعيم الإنقلاب، العقيد عاصمي غويتا، قاتل لسنوات عديدة إلى جانب القوات الخاصة الأمريكية، وأثناء إستجوابها، إعترف شاهد من المعهد الديمقراطي الوطني الممول من الحكومة الأمريكية بأن الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي ندد بها في الكاميرون إرتُكبت جزئياً على يد جنود مسلحين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وفق صحيفة واشنطن بوست.
مشيراً؛ إلى ما شهدناه في فبراير الماضي، في جلسة إستماع للجنة حول أمريكا اللاتينية، وسألت النائبة المسلمة"إلهان عمر" تود روبنسون، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون المخدرات الدولية، وإنفاذ القانون، عن تحقيق المفتشين لعامين، والذي وجد أن وكالتهُ قد أخفت تورطها في مذبحة عام 2012، من أربعة هندوراسيين أصليين، على الرغم من عمله في الوكالة في عام 2012، قال"روبنسون" إنه لا يتذكر ما قاله للمحققين، ولم يعرف ما إذا كان أي من الأمريكيين، والهندوراسيين المتهمين بالمجزرة قد أدين، ولم يعرف ما إذا كان أي من الضحايا قد حصل على تعويض، وهنا التساءل لماذا كان"روبنسون "غير مستعد إلى هذا الحد لخط إستفسار النائبة" إلهان عمر؟ ربما لأن أعضاء اللجنة نادراً ما يسألون المسؤولين الحكوميين مثل هذه الأسئلة المحددة حول إنتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الولايات المتحدة الأمريكية.
وختاماً: أن ما يقولوه منتقدو النائبة "إلهان عمر" أن كل هذا يعكس معادتها لأمريكا، فهو قلة حيلة و"تَجَنَّى" عليها مِنْ دُونِ حُجَّةٍ أَوْ إِثْبَاتٍ، بعدما كشفت عن الوجوة الحقيقي لهؤلاء الذين يزعمون أنهم يحمون الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، بل شاهدنا جميعاً كيف تتحدث"إلهان عمر" بشكل مثالي عن السلطة الأخلاقية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على المسرح العالمي عندما تدافع عن حقوق الإنسان، بل إنها تدرك جيداً ماذا وعن ما تتحدث كما يدرك الكثيرون في جميع أنحاء العالم، أن الولايات المتحدة لا تمارس تلك السلطة الأخلاقية تقريباً كما يُزعم قادتها.
وأن نائبة الكونغرس الأمريكي لا تعارض سياسة خارجية نشطة للولايات المتحدة، بل إنها تعارض الأسطورة التي تشكل الكثير من الخطاب الرسمي في واشنطن بأن السياسة الخارجية الأمريكية أخلاقية في جوهرها، هؤلاء المسؤولين عن السياسة الخارجية بشر مثل غيرهم من البشر على هذا الكوكب، ولديهم نفس العيوب ونفس الطموحات ونفس نقاط الضعف، وعلى أمريكا أن تدرك أن في جميع أنحاء العالم، يواجه وينتقد الكثير من الناس السياسة الخارجية الأمريكية عندما يرون طائرة بدون طيار تحلق في سماء منطقة ما، أو مستشفى حرمتها العقوبات الأمريكية من العمل بشكل جيد، أو أن قوات ديكتاتور تحمل أسلحة أمريكية الصنع وتقتل شعبها أو شعوب أخرىّ.
وأؤكد: في مقالي أن ماقام بة الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي مساء أمس الخميس بعزل النائبة الديمقراطية "إلهان عمر" من لجنة تعُد رفيعة المستوى بسبب تصريحات تعود لعام 2019 خطأ فاضح وإنتهاك صارخ للديمقراطية وحقوق الإنسان، وقوبلت بتنديد وإستنكار على نطاق واسع من جميع المستويات بإعتبارها معادية للسامية لإنتقادها للإحتلال الإسرائيلي، وصوت مجلس النواب المزعوم والمنقسم بشدة لصالح عزل "إلهان عمر"من لجنة الشؤون الخارجية بتأييد 218 صوتاً مقابل رفض 211 صوتاً.
مؤكداً: عزل النائبة"إلهان عمر" لن يسكت صوتها ولا صوت الأصوات التي تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وستستمر النائبة وغيرها في التحدث نيابة عن الشعوب التي تسعىّ لتحقيق العدالة في جميع أنحاء العالم، سواء كانت نازحة في مخيمات اللاجئين أو مختبئة تحت أسرتهم في مكان ما، ولم تحضر "إلهان عمر" إلى الكونجرس لتكون صامتة فقد جاءت إلى الكونغرس لتكون صوت هؤلاء، ولن يتغير إنتقادها، ولا إنتقادنا لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، وسياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين.