تخطط الحكومة الإسرائيلية بالتنسيق مع أمريكيا وحلفائها الإقليميين على المكشوف لحرب أهلية في الضفة الغربية فيما ترد عرين الأسود في العمق الإسرائيلي (فلسطين المحتلة عام 48)، من خلال العمليات الفردية التي تنفذ دون غطاء فصائلي، من قبل أفراد مستقلين يؤمنون بخيار الكفاح المسلح لتحرير فلسطين كاملة، أو يردون بعملياتهم الجريئة على جرائم الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين الذين ينكلون بالفلسطينيين جهاراً نهارا، وفق ما يصدر عن بعضهم من وصايا ملهمة تنشر عبر الفضاء الرقمي بعد استشهادهم.. وفي نصب أعينهم أن عرين الأسود هي مثلهم الأعلى.
وفي سياق متصل، قالت شرطة الاحتلال الإسرائيلي بأن الفدائي الفلسطيني معتز الخواجا، نفذ مساء يوم أمس الخميس عملية إطلاق نار فدائية في شارع ديزنغوف في مدينة تل أبيب (تل الربيع المحتل) نجم عنها خمس إصابات في صفوف الإسرائيليين واحدة منها خطيرة.. فيما قتل- ارتقى شهيداً- منفذ العملية.
وصرحت وسائل إعلام إسرائيلية بأن منفذ العملية هو معتز الخواجا "23 عام” من قرية نعلين غرب رام الله، وأنه "ينتمي لحركة حماس"! وسجن سابقاً مرتين بتهمة الإنتماء لها.
ولكن كما يبدو فقد نفذ الخواجا العملية فردياً دون التنسيق مع قيادته لأن حماس لم تصدر بياناً تتبنى فيه العملية.. أي أنها مدرجة في قائمة عمليات عرين الأسود التي وضعت هذا النهج الكفاحي الجديد.. وذلك ليس تنقيصاً من دور حماس المقاوم والرادع باقتدار؛ بل حفاظاً على هذا الشكل الفاعل من المقاومة الفردية المُجْمَعْ عليها جماهيرياً في ظل سلطة تُتْهَمَ ْبأنها انهزامية.
وفي تطور نوعي، فإن وسائل إعلام إسرائيلية قالت: بأنه تم التبليغ عن الاشتباه في وجود عدد من المسلحين في منطقة مستوطنة "بيتار عليت" بعد العثور على عبوة ناسفة أخرى تحت حافلة، ويبدو أنه تم زرع عدد من العبوات في المنطقة؛ وفق قولها.
وهذا يعني بأن تطوراً تقنياً قد طرأ على هذا النوع من العمليات الفردية من خلال زرع العبوات الناسفة للإيقاع بأكبر عدد من الضحايا في صفوف القتلة من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين رداً على مجازر جيش الاحتلال الإسرائيلي والشاباك في نابلس وجنين والقدس والخليل.
من جهتها علقت "عرين الأسود" التي أصبحت القدوة في هذا النهج الكفاحي من باب الاستعداد لأي رد إسرائيلي متوقع على العملية، قائلة:
"تحية للشهيد معتز الخواجا وشهداء جبع- فهذه- رسالتنا للشباب الثائر.. فأنتم في عيوننا وقلوبنا وكلنا ثقة بكم ، في حال دخول قوات الاحتلال كونوا معنا في الميدان بأصواتكم بتكبيراتكم بحجارتكم بزجاجاتكم الحارقة بإطاراتكم الملتهبة".
ولا ينكر أحد بأن هذا النوع من العمليات بات يحرج الموقف الأمني الإسرائيلي الذي عجزت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن معالجته جذرياً في ظل ما يعانيه كيان الاحتلال الإسرائيلي من تشرذم سياسي وجماهيري مقلق بين اليسار واليمين المتطرف الذي يضم المتدينين المسيطرين تمثيلياً على حكومة نتنياهو، وكان آخرها خروج التظاهرات الجماهيرية الضخمة ضد محاولات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة من إضعاف القضاء، وذلك من خلال مشروع يتعلق بالرقابة القانونية؛ بتغيير لجنة تعيين القضاة، ومنع المحكمة العليا من إلغاء قوانين أساسية، أو إجراء تعديلات فيها، تمهيداً للتصويت على ذلك في الكنيست، ما استرعى من نتنياهو - كما يبدو- الاستنجاد بالأمريكيين كي يضغطوا على السلطة بشتى السبل من خلال مشاركة جميع الأطراف في مؤتمر العقبة الأخير؛ لمعالجة موضوع استفحال المقاومة في الضفة الغربية متمثلة بعرين الأسود، وضربها في الصميم بغية اجتثاثها، رغم استنكار السلطة لدورها في ذلك.
لا بل ذهب بعضُ المراقبين عبر الفضاء الرقمي إلى أن أمريكيا تضغط باتجاه إشعال حرب أهلية في الضفة الغربية بين الفلسطينيين أنفسهم، يدور رحاها بين مؤيدي المقاومة باشكالها، وجماهير سلطة أوسلو المنتفعين من وجودها أو المراهنين على النهج السياسي والمؤمنين بالأمر الواقع.
وهذا لو صحت بياناته، سيؤدي إلى تدخل قوات أمن سلطة أوسلوا لفضها بالقوة وفق السيناريو المرسوم بعناية، وحتى تتمكن من ذلك مستقبلاً فقد وضع الأمريكيون ضمن أجندتهم خطة تعزيز قوات أمن السلطة بالعناصر الجديدة ودعمها بالسلاح المناسب، ومن ثم الإجهاز على ما يرون بأنه آفة اسمها المقاومة، ما سيؤدي إلى القطيعة بين الشعب الفلسطيني الذي يحتضن المقاومة، وعرين الأسود إذا ما تم استفزازها وجرها إلى الفخ المنصوب لها، حيث تعتبر جزءاً من المقاومة الفلسطينية الموحدة ميدانياً، والتي تتبنى خيار المقاومة المسلحة بديلاً عن خيار الحل السياسي الذي فشل تماماً واستنزف حقوق الفلسطينيين.
ويستند اصحاب هذا الرأي إلى تصريحات محافظ نابلس إبراهيم رمضان (وهو من فتح) بسبب ما أدلاه من تصريحات مستفزة وغير مسؤولة لصحيفة "نيويورك تايمز” الأمريكية، معبراً عن انزعاجه من مواصلة مجموعات "عرين الأسود” مقاومتها للمحتل، ودفاعها عن الضفة الغربية المحتلة ومخيماتها المنتهكة من آلة البطش الإسرائيلية، وكأنه يتحدث بلسان حال اليمين الإسرائيلي، الأمر الذي أشعل معه حالة من الغضب والسخط داخل الأوساط الفلسطينية وعبر الفضاء الرقمي، في الوقت الذي يرتكب فيه جيش الاحتلال المجازر بحق الفلسطينيين فيما تُتَّهَمُ السلطةُ بملاحقةِ شبابِ المقاومةِ واعتقال من تطوله الأيادي؛ لمجرّد أنّهم يقاومون الاحتلال.
وحينما اتَّهَمَ الفلسطينيون المحافظ بالخيانة والعمالة إلى جانب تعرضه لتهديدات من قبل المقاومة، أصدرت حركةُ فتح في بيت لحم بياناً هددت فيه كل من تسوله نفسه الاعتداء عليه.
هذا يعني بأنه لو تعرض المحافظ المستفز للاغتيال فستكون الشرارة المنتظرة لحرب أهلية مخطط لها بإحكام، فتعيدنا إلى مرحلة الاقتتال الفلسطيني البيني ببيروت في سبعينيات القرن الماضي.
لقد خابت مساعيهم، فعرين الأسود ما لبثت يقظة، فلا توجه عملياتها الفردية إلا ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم المصاب برهاب المقاومة، وفي العمق الإسرائيلي، كعملية تل أبيب يوم أمس. وفي المواجهات معهم أثناء الاقتحامات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية كما يحدث تباعاً في جنين الصامدة على الضيم ونابلس جبل النار.. وقد برهن الشهيد معتز الخواجا على ذلك.. ففي خرب الإرادات ينتصر صاحب الحق المبين بلا منازع.