ليس مشهداً عادياً أن يتم الإعتداء على بيوت الله وترويع المصلين الآمنين والمرابطين في كنائسهم ومساجدهم.
عبر التاريخ والأزمات كانت بيوتُ الله ملجأ الأمان في أوقات الأزمات والحروب والمُلمّات لأنها بيوت آمنة لها حرماتُها شرعاً وقانوناً ولا يجوز لأحد أن يتعدى عليها أو يسيء إليها أو يدنس حرماتُها أو يعتدي على المصلين فيها، فكيف بالراجين فيها ملاذاً وأمانا؟ أليست بيوت الله هي مخادعنا للصلاة والسكينة والطمأنينة ومناجاة الخالق عزّ وجل من أجل أنفسنا ومن أجل أحبابنا ومن أجل المؤمنين ومن أجل البشرية جمعاء، فما تعلمّه الأديان السماوية هو محبة الله ومحبة الخير للقريب أيما كان والدعاء حتى للأعداء ليفتح الله قلبهم ويرجعوا عن خطأهم ويتوبوا إلى الله قبل كل شيء، لأن الخطيئة المرتكبة تجاه البشر وإيذائهم هي موجه ضد الله قبل كل شيء، والله جلّت قدرته لا يرضى بالظلم والقهر والإذلال والتنكيل، وبحكمته يتدخل بالزمان والمكان الذي ترتأيه العزة الإلهية مناسبًا.
فما بال القدس فجر اليوم تستصرخ وتستنجد في شهر رمضان المبارك وأسبوع الآلام المقدس لرفع الظلم عنها؟ لماذا علت صرخات أهلها ومن داخل أسوارها ومن حرمات أقصاها، الذي يشكل عنواناً ليس فقط للمسلمين بل أيضاً للمسيحيين وللإنسانية جمعاء، سوى تعبيراً عن إزوداجية المعايير الدولية والتنصل من الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ؟ فإن كانت العروبة وإن كان الدم يجمعنا، فالإنسانية توحد كل سكان الكرة الأرضية برمتها، وصرخات الإستغاثة بالله .. يا الله .. يا الله، تحركُ مشاعر وقلوب كل البشر، فلا أحد يرضى بإنتهاك حرمات دور العبادة إسلامية كانت أو مسيحية أم غيرها، فلم يُنَصِّبُنا الله وكلاء له على الأرض لكي نسيء للآخرين أو حتى لكي ندين الآخرين، بل أقامنا وكلاء صالحين للخير ولنشر قوى المحبة والتسامح والإعتدال والمصالحة والتعاون على البّر والتقوى والإحسان، والعمل المشترك بما يحقق المصالح الوطنية العليا والقيم الإنسانية النبيلة وقيم العدل والمساواة في العالم.
إن صرخات الإستغاثة من قلب الأقصى المبارك هي صرخات كلُّ إنسانٍ ذي ضمير حي، مسلما كان أم مسيحيا أم يهوديا أو غير ذلك يخشى الله حقا ويؤمن بالإنسانية التي وُجدت للتعايش بجو من الإخاء والمحبة والسلام، فلا يجوز السكوت عن إنتهاك حرمات الأماكن المقدسة ولا سيما في القدس الشريف التي هي تحت الرعاية والوصاية الملكية السامية.
وقد رأينا يوم الأحد الماضي في الأول من نيسان عمق وجدية كلمات صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم الموجهه في قصر الحسينية العامر إلى الهيئات المقدسية المسلمة والمسيحية بأنَّ الدورَ الأردني هو حماية الشعب الفلسطيني ولا سيما المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف .. ودورنا كعرب وكمسلمين أن نقفَ مع الجميع، فما تتعرض له المقدسات الإسلامية تتعرض له المقدسات المسيحية والوجود العربي المسيحي أيضاً، فموقفنا واضح وثابت، "نحن معكم للأبد"، "نحن معكم بنفس الخندق".