تبدأ الآية بلفظ الجلالة الله، فله ملك كل شيء، وله ملك ما يوجد في السموات وفي الأرض مهما كان حجمه، صغيراً كان أم كبيراً، وهو المدبر لها، وبيده التصرف والتقليب، فلا يخفى عليه شيءٌ منها، لأنه مدبره ومالكه ومصرّفه، وهذه الآية تخاطب الشهود الذي ذُكروا في آية الدَّين فيخاطبهم بألا يكتموا الشهادة، وأخبر أن نتيجة الكتمان فجور القلب، ولن يخفى عليه كتمانكم الشهادة، لأن الله عليم بكل شيء، فيعلم ما يخفي الإنسان وما يعلن، فمن يؤدي الشهادة ويجحد وينكر الحق، ومن يخفيها فيضمرها، فسيحاسبهم الله على هذا الفعل السيئ، وهذا يشمل كل من أضمر معصيةً أو أبداها
تفسير الآية الثانية
آمن أي صدّق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأقر بما أنزله الله عليه، من الحلال والحرام، والوعد والوعيد، والأمر والنهي، وغير ذلك من سائر ما فيه من المعاني التي حواها، وآمن معه المؤمنون أيضاً، بما أخبرهم من أمور الغيب من الملائكة، والرسل الذين أرسلوا إلى الأقوام السابقة، وجميع كتبه التي أنزلها على أنبيائه ورسله، وآمنوا أيضاً بالقرآن الكريم، وفي قوله (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)، يثني الله على المؤمنين لتصديقهم الرسل، وعدم تفريقهم بين نبي وآخر بالتصديق والتعظيم، فيقرون أن ما جاؤوا به جميعاً كان من عند الله، وأنهم دعوا إلى الله وإلى طاعته، فخالفوا في ذلك اليهود الذين صدقوا موسى وكذبوا عيسى، والنصارى الذين أقروا بموسى وعيسى وكذبوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وجحدوا نبوته، ومن أشبههم من الأمم الذين كذبوا بعض رسل الله، وأقروا ببعض.
تفسير الآية الثالثة
الله -سبحانه وتعالى- لا يكلف أي أحد بما لا يطيقه من العبادات، وليست بوسعه، فلا يضيق عليه ولا يُجهِدُه، وقد أسقط عنه أيضاً إثم وسوسة النفس، فالإنسان توسوس له نفسه وتحدثه كثيراً بفعل بعض الأشياء القبيحة، ولا يملك الإنسان أن يدفعها عن نفسه، فالله لا يؤاخذ الإنسان بحديث النفس، ما لم يفعل ما حدثته نفسه، إذاً فالله لا يكلف الله نفساً إلا ما يسعها فلا يجهدها، ولا يضيق عليها في أمر دينها، فلا يؤاخذها بهمة إن همت، ولا بوسوسة إن عرضت لها، ولا بخاطرة خطرت بقلبها، فكل نفس مؤاخذة ومحاسبة، على كسبها وما تفعله، فلها ما كسبت، أي تثاب على فعلها الحسن، وعليها ما اكتسبت، أي تحاسب على فعلها السيء وتنتهي الآية بدعاء، فيقر الإنسان أن من طبيعته النسيان، ويسأل الله أن لا يحاسبه على تركه فعل ما أمره الله، وألا يحاسبه على ارتكاب ما نهى الله عنه عن غير قصد، ولكن عن جهالة وخطأ، وقوله: (ولا تحمل علينا)، أي لا تكلفنا بعهد وميثاق فنعجز عن القيام به، كما أخذت على اليهود والنصارى عهود ومواثيق، فلم يقوموا بها فعوقبوا، فهنا علّم الله -عز وجل- أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يدعوا الله أن لا يحملهم من عهود ومواثيق على أعمال إن ضيعوها عوقبوا كالأقوام السابقة.