باتت مفاوضات السلام الجارية بين صنعاء والرياض برعاية مسقط الشغل الشاغل للجنوبيين، حيث عكف كثيرون منهم على التساؤل عن توقيتها ومضمونها والفرص الممكنة لنجاحها، لكن الأهم الذي غاب هو السؤال عن النتائج التي يمكن إن تسفر عنها والتسويات التي ترافق تلك المباحثات، وتداعيات كل ذلك على القضية الجنوبية، التي ينبغي ان تتصدر قائمة القضايا الداخلية، بعد الاتفاق على هدنة طويلة تقود لوقف دائم لأطلاق النار.
موضوع السلام وارد في مختلف الأحوال، وجميع الصراعات في الدنيا لابد وإن تنتهي بسلام مهما كانت ضراوتها وحدتها وعمقها وطبيعة دوافعها، ومن نافلة القول ينبغي إن تكون هذه اللحظة بتفاصيلها حاضرة وبقوة لدى صانع السياسة الجنوبية منذ اليوم الأول لانطلاق الصراع، بل وإن تكون هناك آلية واضحة ومعروفة للتعامل مع مجمل المعطيات التي تفرزها.
بإلقاء نظرة فاحصة علئ المشهد الميداني يُكشف لنا عن شقين للصراع الراهن بارتباطاته، الشق الأول صراع سعودي حوثي، ثم هناك صراع محلي حوثي، أي بين القوى التي تُعرف بـ الشرعية وبين الحوثيين، وبذلك لا تستقيم عملية السلام المزمعة إلا بتقييم الصراع بشكل جلي ومنطقي.
المؤكد بالفعل فقد جرت تفاهمات معلنة وغير معلنة بين الرياض وصنعاء وحسم الكثير من الجدل حول القضايا الشائكة في هذا الإطار، لكن ذلك لا يبدو مهما من وجهة نظر محلية بعد ثماني سنوات من الصراع الدامي أتى علئ الأخضر واليابس، ما لم يؤسس ذلك لسلام شامل ودائم.
في موضوع الجزئية الأخرى من الصراع والتي تتعلق بالحرب بين صنعاء وعدن، فمعظم القوى التي انخرطت في مواجهة الحوثيين طوال كل هذه السنوات هي قوئ من الجنوب محسوبة على دعاة الدولة الجنوبية، وهنا نتساءل: لماذا لا تُعطى هذه الجزئية ما تستحق من الاهتمام؟. وهل يكفي لحسم ذلك الملف بتشكيل حكومة ائتلافية تجمع فرقاء الميدان؟..
من الأهمية بمكان في تقديري إيلاء ذلك الملف الشائك الاهتمام اللازم أعني الصراع المحلي بتشعباته، بعد ان قُصرت معظم التداولات في جولات التباحث للوصوع لتفاهمات أمنية تتعلق بالجانب السعودي وحسب، ما يعني أننا قادمون على جولة جديدة من الصراع، ستشهدها الساحة المحلية لا محالة خلال المرحلة الانتقالية المقبلة، بالتزامن مع ظهور لون آخر من التحالفات الداخلية.
ينبغي علئ المفاوض الجنوبي طرح هذه المخاوف وبقوة في المشاورات الجارية، وعلى القوئ والفصائل المحلية في الجنوب بمختلفها، التقارب والتشاور لصياغة صورة شاملة لمستقبل بلدها في ضوء المستجدات والتطورات الأخيرة.