المتابع حقاً في الفترة الأخيرة لوسائل التواصل الإجتماعي ولبعض التعليقات عليها يلحظ غرابةً في الخروج عن المألوف الذي ساد مجتمعنا الأردني من روحِ محبةٍ وأخوةٍ إسلامية - مسيحية قلّ نظيرها في الإحترام المتبادل والتعاضد والتكاتف والمشاركة في كافة المناسبات الإجتماعية حتى يكاد المرء لا يميّز بين مسلم ومسيحي لما للعادات والتقاليد والثقافة العربية التي تجمعنا من تأثير كبير على طبيعة تفكيرنا وسلوكنا ومفرداتنا.
وهذا لا يعني بتاتاً تخلّي الواحد عن عقيدته وإيمانه وقناعاته ومفرادته الدينية، أو محاولة إيجاد صيغة توافقية بين الجميع، بل على العكس هي مدعاة ليتمسك الواحد بما ورثه عن آبائه وأجداده من قيم وعادات ومعتقدات وشعائر شريطة أن تكون منزّهة عن كلِّ أفقٍ ضيقٍ أو تَزمّتٍ أو تعصّب، والإمتداد نحن شريكه في المواطنة بالإحترام والتقدير والتعاون على البّر والتقوى، بعيداً عن المجادلات العقائدية، التي وإن نوقشت فيجب أنْ يُناقشها أهلُ العلمِ واللاهوتِ والشريعةِ بروحِ المودَّةِ والمحبة والحوار الهادئ البنّاء، وليس أن يكون ذلك الإختلاف العقائدي أبداً سبباً في الفرقة أو المعاداة أو التكفير أو الشيطنة، بل مدعاة للتحاب والتآخي على أسأس الأخوة الإنسانية التي تجمعنا، وعلى أساس القيم المشتركة الكثيرة التي تجمعنا كمسلمين ومسيحيين، هذه الأسس التي تتعرضُ اليوم إلى هجمة شرسة بمفاهيم عالمية تتناقض مع التعاليم السماوية والحياة الطبيعية التي أوجدنا الله عليها، ومتمسكين بالقاعدة الذهبية كما في قوله تعالى "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"، وكما جاء في الإنجيل المقدس أنَّ قبول الإيمان هو إختياري ويُشبّه بِدَعوة، فإما أن يتم قبولها أو رفضها.
وما حفل الزواج المقدس يوم أحد عيد القيامة المجيدة الموافق السادس عشر من نيسان للعام ألفين وثلاثة وعشرين بين ثائر وهيفاء من عائلتي الكواليت والريحاني في بلدة أدر في الكرك إلا دليل آخر على روح الأخوة الإسلامية المسيحية والحياة المشتركة التي تجمع عشائرنا وعائلاتنا وتوحدّنا معاً أبناءَ وطن واحد يجمعنا إله واحد ووطن واحد وقيادة هاشمية واحدة ومصير واحد. فقد تمت الدعوة للعشاء لحفل الإستقبال لعرس المكرمين ثائر الكواليت وهيفاء الريحاني على طعام الإفطار الرمضاني مساء الأحد في قاعة كنيسة الروم الكاثوليك في بلدة أدر، ليكون هذا العرس المسيحي عرساً وطنياً كركياً تسوده روح المحبة والأصالة والتاريخ الذي يجمعنا معاً ويوحِّدُنا معاً رغم إختلاف عقائدنا. فجوهر عقائدنا مبنية على أساسِ محبة الله ومحبة الجار والقريب، وصُنعِ الخير للجميع كما نفعله تماماً لأهل الإيمان من غير تمييز أو تفرقة.
والتعليق الجميل الذي تناقلته صفحات الفيس بوك على ذلك هو أن " هذا هو الأردن". ونحن إذ نضّم صوتنا معاً لنقول أيضاً، نعم، هذا هو الأردن الذي عرفناه، والذي تربينا عليه والذي لا يمكن إلا وأن نكون عليه إلى يوم الدين، وقد كرّسته قيادةٌ هاشمية مباركة بقيادة جلالة مليكنا عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، الذي في مقابلته الأخيرة بشهر كانون الأول للعام الماضي مع السي إن إن في المغطس- الموقع التاريخي لعماد السيد المسيح، أشار جلالته إلى أهمية هذا الموقع ليس فقط للمسيحيين بل أيضاً للمسلمين، فالقران الكريم يُجّلُ السيد المسيح، وأمه العذراء المباركة مريم كأشرف نساء خلق الله، فهذا المكان المقدس يحتل أهمية كبيرة في بناء جسور المحبة والوئام والعلاقة السليمة الإسلامية- المسيحية كما يجب أن تكون عليه منذ فجر الإسلام، والعهدة العمرية، والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية والدفاع عن تثبيت الوجود العربي المسيحي في المشرق العربي.
شكرا للدعوة الوطنية التي وجهها آل الكواليت وآل الريحاني لعشاء العرس على مائدة الإفطار الرمضاني والتي تعكس حقيقة مجتمعنا الأردني الذي لن نسمحَ لأي موجة تغريب أو تطرّف أن تندّس في وسطنا.