إن الاستخدام الممنهج للعملة الأمريكية كأداة للعقوبات يؤدي إلى وقف استخدامها في العالم.
جاء ذلك وفق ما قاله رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك، حول تقييمه لآفاق الدولار مستقبلاً على صعيد عالمي منوهاً إلى أنه:
"إذا قمت (باستخدام) عملة ما (كسلاح) مرات كافية، فستتوقف الدول الأخرى عن استخدامها".
وهذا منطقي على الأقل من باب المعاملة بالمثل في ظل تشجيع دول العالم المؤثرة على التخلي عن الدولار وعدم الثقة به خوفاً من فخاخ العقوبات التي تلوح في أفق كل من يعارض السياسات الأمريكية على صعيد بيني. وبذلك يكون "قد شهد شاهد من أهله".
ووفق تعليق ماسك على تغريدة نشرها أحد الخبراء على شبكته "تويتير" فإن تخلي الاقتصاد العالمي عن الدولار أسرع بعشر مرات مما كان عليه في العقدين الماضيين" وهذا يعد الأخطر على مستقبل أمريكا برمته والذي يعتبر الدولار فيه من أهم مقوماته كونه مدعوماً بالسلطة الأمريكية عالمياً والآخذة بالتقلص اللافت.
صحيح أن أمريكا على صعيد تاريخي وفي ظل إدارة الرئيس "فرانكلين روزفلت" عام 1933 انسحبت من نظام "معيار الذهب"في محاولة أخيرة لإنعاش النمو الاقتصادي، لكن ظروف مشاركتها في الحرب الفيتنامية فاقمت من حالة التضخم التي غشت أمريكا آنذاك، ما استوجب انضمامها مجدداً إلى "معيار الذهب" كجزء من موافقتها على اتفاق "بريتونوودز".
وبدأت دول كثيرة تطالب أمريكا بالذهب مقابل حيازاتها من الدولار، وذلك بحسب التقرير الذي نشرته شركة البحوث الأمريكية "موتلي فول" لتأتي عقب ذلك ما عرف ب"صدمة نيكسون" تحديداً في 15 أغسطس 1971 فإزاء ذلك وافق "نيكسون" على سلسلة من التدابير الاقتصادية، أهمها كان إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار الأمريكي إلى الذهب.
وعليه فإنه بحلول عام 1973 كان من الواضح أن التعليق المؤقت لمعيار الذهب سيدوم إلى الأبد، حيث قامت معظم الدول الأخرى بتحديد قيمة عملاتها بوسائل بعيدة عن معيار الذهب، وذلك رداً على خطوة "نيكسون".
وحتى اليوم ما زال تأثير "صدمة نيكسون" يُنَاقَشُ من قبل كبار الاقتصاديين ومنهم ماكس نفسه، لتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي والسياسة النقدية في الولايات المتحدة كأكبر من أي حدث آخر شهده النصف الثاني من القرن الماضي.
وإزاء ذلك جاءت روسيا في ظل العقوبات الغربية التي تتعرض لها رداًً على احتلالها لأوكرانيا مطلع العام الماضي، لتعلق الجرس أولاً بتجاوز الدولار وتبني سياسة التعامل بالعملات المحلية في التعاملات التجارية، ومنها سوق النفط ضمن سياسات مجموعة "بريكس"، وهي منظمة دولية تضم روسيا، البرازيل، الهند، الصين، جنوب أفريقيا، وتستحوذ على 23% من حجم الاقتصاد العالمي، و18% من التجارة الدولية. وهذا يبين مدى خطورة الخطوة الروسية على الدولار.
ويسعى عدد من الدول إلى الانضمام لهذه الكتلة الاقتصادية الضخمة، كالجزائر والأرجنتين وإندونيسيا وإيران والسعودية وفق ما كشفت عنه وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور في مقابلة تلفزيونية وذلك عن تلقي بلادها لـ 12 طلباً للانضمام إلى "بريكس" باعتبارها الدولة المستضيفة لقمة المجموعة شهر أغسطس المقبل.. حيث ستحدد مجموعة "بريكس"معايير الانضمام إليها وفق وكالة "بلومبيرغ" الأميركية.
وهذا يعزز ما أوضحه ماكس في تغريدته حول مصير الدولار حيث اشار إلى أن نصيب الدولار في التسويات العالمية انخفض إلى 55% في 2020 من 73% في 2001، ومع فرض العقوبات على روسيا انخفض المؤشر إلى 47%.
فيما توقع الخبير الاقتصادي والمدير العام لشركة "سبوتنيك لإدارة رأس المال" ألكسندر لوسيف، الاثنين الماضي، بأن الدولار سيفقد هيمنته في سوق العملات بحلول نهاية العقد كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية مع العملة العالمية الرئيسية حينها الجنيه البريطاني.
وقال: "نرى اتجاهاً هبوطياً في التسويات بالدولار وتراجعاً في احتياطيات البنوك المركزية المقومة بالدولار، فعلى سبيل المثال انخفضت حصة الدولار إلى أقل من 58% في الاحتياطيات الدولية للبنوك المركزية".
والنتيجة وفق توقعات الخبير الأمريكي أنه في أفق خمس إلى سبع سنوات، حتى نهاية العقد، في هذا الأفق سيفقد الدولار مكانته الريادية في التسويات الدولية، لأن دول العالم التي لديها الكثير من الديون المقومة بالدولار معرضة بشدة لاضطرابات النظام المالي العالمي القائم على العملة الأمريكية.
وعليه فالدولار قد يفقد بريقه كما حصل مع الجنيه البريطاني كما أشرنا آنفاً، والذي كان في يوم من الأيام العملة الرئيسية في العالم.
هذا ما خلص إليه صاحب القرار في أكبر شركة عالمية "سبوتنيك لإدارة رأس المال" وقد شخّص الاقتصاد العالمي غير الدولاري وغير الغربي، في ظل توقعاته على نحو أنه ينمو (بعيدا عن الدولار والاقتصادي الغربي)، وقد تجاوزت دول مجموعة "بريكس" بالفعل دول G7 (مجموعة الدول الصناعية السبع) من حيث مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وهذا يفسر انهيار الهيمنة الاقتصادية والعسكرية والسياسية للدولار . وبالتالي التوجه إلى عالم متعدد الأقطاب".