استعار معركة الظل الاستخباراتية بالتوازي مع الحرب الأوكرانية المكشوفة بكل تفاصيلها للقاصي والداني أكدت على وجود ذراع أمريكية خفية تمتد من البنتاغون وتطول القارات الخمس فتراها تعوث فساداً وكأنها معلقة في السماء دون أن تشير إلى من يتحكم بها.
فهل تعجز روسيا التي تمتلك نظام كي جي بي قوي عن فعل ذلك!؟ فالعين بالعين والبادئ أظلم.
وهذا يفسر كيف أن أمريكا تقف وراء الكثير من العمليات النوعية السرية التي نفذت ضد المصالح الروسية لتخلط الأوراق دون أن تترك اثراً وراءها.. معتمدة على تعويم التهم وتفريق الدم على القبائل سوى أن التسريبات كانت تؤكد على الدوام الدور الأمريكي الضالع فيها.
وذلك على نحو تفجير خطوط الغاز الروسية.. حيث أفادت صحيفة "تايمز" البريطانية بأن تحقيقاً أجراه الصحفي الاستقصائي الأميركي سيمور هيرش توصل إلى أن الولايات المتحدة مسؤولة عن تفجير خطي أنابيب الغاز الروسي "نورد ستريم 1 و2" ببحر البلطيق في سبتمبر 2022.
ناهيك عن المسؤولية الأمريكية غير المباشرة في محاولة تفجير أحد أجزاء خط أنابيب السيل التركي لنقل الغاز في اكتوبر 2022.
وغيرها من التفجيرات التي ظلت مبهمة دون تفسير فيما بقي الدور الأمريكي متوارياً خلف ما أثير من غبار حولها.
ثم يأتي الهجوم بمسيَّرَتَيْن على الكرملين بغية اغتيال بوتين فاتهم البعض أمريكا بالوقوف وراء الحادث مباشرة من خلال إناطة المهمة بالقيادة الأوكرانية رغم رفض أنتوني بلينكن لهذه التهم الغير رسمية.
ولكن في معركة الظل الاستخبارية؛ فإن روسيا أثبتت من جهتها قدرة استثنائية في إدارتها من وراء حجب خلال عدة عملية نوعية، وبالتالي خلط الأوراق من حولها دون ترك دلائل على مقترفيها.
أنا اتحدث هنا عن موسكو التي كان لها الدور السيبراني المعقد في الانتخابات الأمريكية التي تسببت بفوز دوناند ترامب الصديق المقرب لبوتين في انتخابات الرئاسة الأمريكية أكتوبر 2020 والذي يدّعي اليوم بأنه الوحيد القادر على وقف الحرب الأوكرانية لو فاز في الانتخابات الأمريكية المقبلة.
وهذا قد يأخذنا إلى إمكانية ضلوع روسيا في تدمير أهداف حيوية في العمق الأمريكي؛ ما يفسر الصمت الروسي المطبق إزاء ما يتعرض له الدب الروسي من كوارث ناجمة عن الموقف الغربي المتحالف مع أوكرانيا بدءاً من الحصار الغربي الفاشل، مروراً بتزويد أوكرانيا بالسلاح النوعي، وصولاً إلى قيام الناتو ومخابراته العسكرية بعمليات سرية ضد روسيا بإيعاز أمريكي.
فسجّل في سياق ذلك الانفجار الضخم المجهول الذي وقع في إحدى محطات نقل الطاقة جنوبي ماريلاند، في 20/08/2022 حيث أشارت مصادر لـCNN إلى أن وزارة الأمن القومي أكدت أنه لم تتوافر أي مؤشرات على أن انقطاع الكهرباء نجم عن "عمل تخريبي." لكن بعض الصحف الأمريكية كان لها رأي آخر حيث اتهمت الروس في الوقوف وراء الحادث الذي عانت من جرائه مناطق واسعة في العاصمة الأمريكية واشنطن من انقطاع مفاجئ في الكهرباء أصاب العديد من المباني الحكومية، من بينها البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، كما امتد تأثير انقطاع الكهرباء جزئياً إلى خطوط شبكة المترو.
كذلك هناك التسريبات (وهي أخبار غير مؤكدة رسمياً) الجديدة للبنتاغون عن هجوم روسي!! على خط النفط الرئيسي الرابط بين كندا و الولايات المتحدة ، والمُزَوِّدِ الرئيسي للنفط الكندي لـ أمريكا ، منوهة إلى أن روسيا قادرة على تفجير الخط بالكامل من خلال التلاعب بضغط انابيب النفط في الشركة الكندية المنتجة.
ونُذَكِّرْ أيضاً بما أشارت إليه الصحف الأمريكية باحتمالية ضلوع روسيا من خلال عملائها في استهداف قطار الشحن الأمريكي في 3 فبراير 2023، الذي كان يحمل أشد المواد خطورة ( كلوريد الفينيل، بوتيل أكريليت، إيثيل هكسيل أكريلات، وإيثيلين 2-بوتوكسي إيثانول)، وإخراجه بالتالي عن مساره على طول خط نورفولك الجنوبي للسكك الحديدية في شرق بلدة "فلسطين" بأوهايو في العمق الأمريكي.. فيما أدت تسريبات المواد السامة الناجمة عن الحادث في الهواء إلى إجلاء السكان داخل دائرة نصف قطرها 1 ميل (1.6 كم) وهنا تكمن الخطورة.
ثم يأتي في السياق نفسه انفجار كبير يوم الأحد الماضي في محطة كهرباء تعمل بالغاز -قيد الإنشاء- في ميدلتاون بولاية كونيتيكت الامريكية.
ووفق قناة دبليو.اف.اس.بي التابعة لمحطة سي.بي.اس المحلية بموقعها على الانترنت، فقد نجم عن الحادث إصابة نحو 250 شخصاً بجروح.
وخلافاً لتحليلات بعض الصحف الأمريكية التي توجهت بالاتهام الضمني إلى روسيا، فقد عزا المحققون الأمريكيون أسباب الانفجار إلى خلل في بعض التجارب التشغيلية للمحطة التي تعمل بالغاز وتبلغ طاقتها 620 ميجاوات وكان من المقرر البدء في تشغيلها في الصيف.. فيما يظل الشبح الروسي يحوم فوق رؤوسهم.
وفي 25 أبريل 2023، الأحد الماضي أفادت قناة "إن بي سي شيكاغو" الأمريكية بأن انفجار ضخم أعقبه حريق وقع في مصفاة للنفط بولاية إلينوي- بلدة ليمونت- في مؤسسة مملوكة لشركة سينيكا بتروليوم.
ويبدو أن العمليات السرية لن تتوقف.
إنه غموض مرتبط بحرب الظل الخفية بين روسيا من جهة وأمريكا إلى جانب أوكرانيا التي تحارب بالوكالة عن النيتو من جهة أخرى .
فالحرب مستمرة في كافة الصعد ويبقى الرد الروسي على استهداف الكرملين بمسيَّرتيْن -في ظل الصراع الخفي - وارد دون تحديد المكان والزمان وربما يصيب الرد قبة البيت البيض!
حيث أكد سيرغي لافروف في شنغهاي: بأن روسيا سترد بإجراءات ملموسة على الهجوم الأوكراني ضد الكرملين. وهذا ما يقلق الأمريكيين.