نشرت السفيرة البريطانية لدى ليبيا كارولين هورندال، صورة لها على "تويتر" مرتدية الزي النسائي الليبي التقليدي كاملاً، وأبدت إعجابها الكبير بجمال هذا الزي المحلي الذي له تاريخ ضارب في القدم.
ولم تكن السفيرة البريطانية في ليبيا هي الشخصية الأجنبية البارزة الأولى التي تظهر بهذا الزي وتعبر عن إعجابها بجمال تفصيله وأناقته، فقد سبقتها إلى ذلك شخصيات شهيرة كثيرة من فنانين وأدباء وشخصيات سياسية معروفة.
"تجربة جميلة"
وعن تجربتها ارتداء الزي التقليدي الليبي قالت السفيرة البريطانية لدى طرابلس، "يشرفني أن أشارك في مناسبة اجتماعية ليبية وأن أجرب ارتداء الزي الليبي التقليدي للمرة الأولى".
وأضافت السفيرة هورندال، التي شاركت في مناسبات فنية واجتماعية وأدبية عدة خلال الفترة الماضية في طرابلس، "من الرائع تجربة الملابس الليبية الفاخرة والجميلة، أمسية رائعة مع نساء رائعات".
تاريخ الزي التقليدي
وعلى رغم شهرة الزي التقليدي الليبي، إلا أنه لا توجد رواية موحدة لأصل ونشأة اللباس التقليدي الليبي ، لأسباب منها أنه تطور عبر فترات تاريخية مختلفة، وظل يعكس التنوع الثقافي الداخلي بخاصة مع اختلاف أشكاله وألوانه وأنماط نقوشه، كما أنه تأثر بالحضارات المتعاقبة على البلاد في أزمنة تاريخية مختلفة.
اللباس التقليدي القديم في ليبيا مختلف شكلاً ولوناً، بعضه يخص الكبار وبعضه خاص بالأطفال، والبعض يتفرد بلبسه الشباب من الجنسين، فهناك أزياء تخص المرأة وأخرى خاصة بالرجال، وهناك أزياء خاصة بكل فصل من فصول السنة وأزياء للعمل وأخرى لمناسبات الأفراح والأعياد والمواسم.
الفنان الليبي المهتم بدراسة الأدب الشعبي محسن التواتي، يقول إن "الأزياء الشعبية على اختلاف أنواعها قد شملها التطور كما حدث لغيرها من مظاهر الحياة الأخرى، سواء في البادية أو في المدن والأرياف، فبعد أن كانت بسيطة في خدماتها ونسيجها وإعدادها وحتى في شكلها وألوانها، أصبحت تصنع من أقمشة غالية الثمن وطالتها يد الصانع الماهر بالتهذيب والتلوين والإبداع، وما إلى ذلك من الزخارف والإتقان".
الزبون
يأخذ التواتي لباس الزبون الذي يرتديه الرجال في ليبيا مثالاً على التطور الذي طال اللباس التقليدي الليبي، ويبين أن "جوهر لباس الزبون لم يتبدل وبقي إلى اليوم يتكون من ثلاث قطع هي السروال والفرملة أو البدعية، إضافة إلى الجلابية المعروفة، وتصنع كل قطع الزبون من نسيج القماش الفاخر، وكل قطعة من هذه القطع الثلاث مطرزة بطريقة مميزة تأخذ أشكالاً زخرفية متنوعة وهي التي طالها التطوير والتغيير إضافة إلى ألوان اللباس".
ويذكر أن أراجيز نسائية كثيرة وردت في الأدب الشعبي تتغنى بلباس الزبون ولابسه وتتغزل بمرتديه، منها قول امرأة إشارة مجهولة:
يازين يالابس الزين... يلي بلاده بعيدة
عالصدر لابس زبونين... تفوزيل كسوة جديدة
والمرأة في هذا القول تخاطب رجلاً غريباً عن الديار وتصفه بجميل الهيئة، وربما يتعدى الوصف إلى زين الأفعال أيضاً، وتنعته بأن بلاده بعيدة أي إنه غريب عن الحي، ثم تستطرد في البيت الثاني فتصف لباسه على الصدر لابس زبونين أي الفرملة أو البدعية والزبون .
لباس الرأس
يكتمل اللباس التقليدي للرجل، بحسب الفنان محسن التواتي، بوضع "الكبوس" ويسمى في بعض الجهات "الشنة والشاشية"، وينعت أيضاً بالطاقية، وهو غطاء للرأس لا سيما في الفصول الباردة، وفي فصل الصيف يكون لباس الرأس الطاقية البيضاء أو العراقية.
ويتابع "الكبوس نسيج من الصوف له شكل وعمق معين ويصبغ بالأحمر القاني والأحمر الفاتح أو الأسود، وقديماً كانت تلحق به خيوط من حرير لونها أزرق أو أكحل تتدلى من أعلى الكبوس وتنسدل على الرقبة بشكل مائل، والكبوس لا يصنع في ليبيا، وإنما يجلب من تونس وينفرد بصنعه طاقم خاص في حي خاص يعرف بحي "الشواشية" نسبة إلى الشاشية، ويلبسه الرجال في البادية والمدن سواء في تونس أو ليبيا، وتختص كل جهة بلبس نوع من الكبوس، فهو مميز بأنه لبس طرابلس أو بنغازي أو صفاقس أو غيرها من الجهات، وهذا الاختلاف ناجم عن اللون، وليس الخامة".
ويخلص إلى أن "الزبون أيضاً يرتدى من دون غطاء للرأس، وهذا بات شائعاً أكثر لدى فئة الشباب في السنوات الأخيرة".
في المقابل، يتميز لباس المرأة الليبية بدرجة أكبر من التنوع في أشكاله وألوانه ومسمياته وأجزائه المختلفة، من الفراشية إلى الرداء إلى السورية أو "القمجة"، ويكون عادة مصحوباً بحلي مختلفة من الذهب والفضة والعقيق بحسب المناسبة.
وطريقة لبس رداء المرأة الليبية تختلف بين مدينة وأخرى ومنطقة جغرافية ونظيرتها، ويتنوع بتنوع الموروث المحلي لربوع ليبيا المختلفة، وأبرز وأقدم وأشهر أنواعه البدلة الصغيرة والبدلة الكبيرة.
البدلة الكبيرة
تتكون البدلة الكبيرة من قطع أكثر من أختها الصغرى، بداية من "القمجة" وهي البلوزة أو الفستان الذي يتفنن الصانع في إبداع نقوشه بخيوط الفضة في الجزء العلوي المرئي، أما الجزء السفلي الذي يغطيه "الردي" فهو من القماش العادي، وعلى هذه القمجة ترتدى "الفرملة" وذروة جمالها وبهائها في ذلك الكم من النقوش الفضية، وخصوصاً على الظهر، وأحياناً من الحرير والفضة بشكل مسبوك كما هي الحال مع الحصيرة المصنوعة من السعف.
ويكتمل هذا الزي بالرقبة المشغولة بالخرز المتنوع في أحجامه وألوانه، والسروال المتباين في أسعاره وجودته طبقاً لمادته الخام ونقوشه، وهناك أيضاً الحذاء ومن أنواعه التليك والبلغة والكندرة.
وتنقسم البدلة النسائية الصغيرة على شاكلة الكبيرة، إلا أنها أقل كلفة وتفتقد إلى الحولي الحصيرة وتكتفي بحولي الحرير بألوان وتصاميم مختلفة، ويتم ارتداؤها في العرس في يوم المحضر في طرابلس، وهو اليوم الثاني بعد ليلة الدخلة أو في اليوم الثالث في الأرياف والبوادي.
الرداء الزاهي
يعد "الرداء" أهم قطعة في ملابس النساء التقليدية، وتقريباً تشترك فيه كل المناطق مع اختلاف ألوانه وطرق ارتدائه، والرداء الذي ينطق في اللهجة المحلية "الردي"، يتشكل من قطعة من القماش طولها يزيد قليلاً على أربعة أمتار وعرضها عن متر ونصف تقريباً، ومنه الرداء اليومي البسيط، وذاك الذي ترتديه النساء في بعض المناسبات الاجتماعية، وكلاهما يضج بالألوان، فالأول مزركش بالورد الملون والزخارف المتنوعة، أما رداء الحرير فيكون عادة مخططاً بالعرض بألوان أنيقة من الذهبي أو الفضي وبقية الألوان، وهو من الفخامة والتفرد ما يجعله قطعة فنية ترتديها المرأة في مناسبات مهمة.
وكانت هذه القطع الفنية تصنع يدوياً على "النول" من حرفيين يعتبرونها مصدراً لدخلهم، لكن هذه الصناعة اليدوية انتقلت بشكل كبير إلى الآلات الحديثة.
معرض أزياء مفتوح
في السنوات الأخيرة، عاد اهتمام الليبيين وشغفهم بلباسهم التقليدي من جديد، خصوصاً منذ ظهور مواقع التواصل التي لفتت الأنظار له داخل البلاد وخارجها، وأبرزت مدى أناقته، مما دفع كثيراً من الشباب إلى الإقبال على ارتدائه من جديد، خصوصاً في فترة عيد الفطر، الذي باتت تقام فيه تجمعات كبيرة في الساحة العامة لاستعراض اللباس التقليدي، في ما يشبه المعرض المفتوح للأزياء الشعبية الليبية.
وكالات