الخطأ الاستراتيجي الأول فشل روسيا استخباراتيا في أوكرانيا، فلم تشعر إلا بفوضى عارمة اجتاحت هذا البلد، مسقطة النظام الحاكم الموالي لها فيه.
من العمل السري إلى العلني انتقلت التحركات الغربية، دون إن تكتشفها المخابرات الروسية في حينها، مما ينم عن تدني أداء هذا الجهاز الهام وعجزه فئ تزويد صانع القرار بما يتطلبه من معلومات، فكان لهذا الخطأ نتائج كارثية لاحقة كلفت روسيا الكثير.
الخطأ الاستراتيجي الآخر: لجوء موسكو للخيار العسكري المباشر متمثلا في اجتياح أوكرانيا بالقوة، أملا في إعادة الأمور إلى سابق عهدها، دون التفكير العميق في مآلات هذا الخيار، وهو بالمناسبة فخ آخر استدرجت إليه موسكو دون إن تشعر.
يأتي على رأس أهداف موسكو من توغلها العسكري إسقاط نظام زيلنسكي واستبداله بنظام لا يوالي الغرب، فوصلت القوات الروسية إلى محيط كييف خلال أسابيع قليلة من بدء العمليات العسكرية، حتى كشف الغرب عن فخه المنصوب، مبينا خطته في مواجهة التدخل الروسي، فتبلور موقف غربي داعم لنظام زيلنسكي، فبدأت الأسلحة الغربية بالتدفق للأوكران، وتغيرت معها الأمور على الأرض، لتعلن موسكو انسحابها من وسط البلاد، وتركيزها على إقليم دونباس شرق أوكرانيا، دون حسم المعارك سريعا، وهو ما يعد استنزافا حادا لروسيا عسكريا واقتصاديا.
الملاحظ لخطوات الدعم الغربي لكييف، يجد إن هناك تدرج في تقديم شحنات الأسلحة، ابتداء بأسلحة متوسطة ثم تطور الأمر لأسلحة ثقيلة ونوعية غيرت الكثير من النتائج على الأرض، وهناك إصرار غربي على تقديم مختلف صور الدعم العسكري لأوكرانيا حتئ النهاية، إذ من المتوقع وصول المزيد من الأسلحة والمعدات المتطورة لكييف قد تنقل المعارك إلى الحدود الفاصلة بين البلدين، الأمر الذي جعل كييف تشترط لأي مفاوضات لإنهاء القتال الانسحاب الروسي الكامل وغير المشروط، مما يجعل من احتمالية إنهاء النزاع قريبا عملية شبه مستحيلة.
اتبع الغرب موضوع التدرج في تسليحه لكييف في حرب تعد حربه بالدرجة الأساس، لاختبار قدرات موسكو وجرها أكثر للميدان، والحديث بدأ مؤخرا يتردد عن نفاد الاحتياطي لبعض الأسلحة، وعن مضاعفة مصانع السلاح لجهودها، مما يتطلب المزيد من التمويل يضاف لتمويل جبهات القتال، في ظل حصار مطبق كلف البلاد خسائر فادحة.