إن ضياع البركة بين السعي وراء الكماليات واختفاءالعادات الموروثة أمرٌ يثير العجب .
لماذا تغيرت أحوالنا في هذا الزمان ؟!
أصبح البعض منا يخشى أن يدعو قريبه أو صديقه أو جاره الفقير على وليمة تكفي لإشباع العشرات ، ولماذا تغيرت هذه المكارم الطيبة يا سادة؟!
نعلم و لله الحمد قد يكون ذلك الشخص مقتدرا وليس بحاجة لعزومة فلان أو علان ، إنما هو التقدير وإكرام الضيف حتى ولو كان مقربا من حيث صلة الرحم والقرابة والنسب ، فقد بارك الله في الذي يكرم ضيفه ،النصوص القرآنية والأحاديث كثيرة في هذا الصدد ...؟!
أيها السادة دعونا نغير أحوالنا وسلوكنا نحو الأفضل قبل فوات الآوان ، نعود لعاداتنا وتقاليدنا التي اضمحلت في هذا الزمان الذي اختلط فيه الحابل بالنابل .
طوبى لزمان الآباء والأمهات زمن البركة والخير العميم ، عندما كنا صغارا كانت أمهاتنا _رحمة الله عليهن_ يعملن وجبة الغداء أو العشاء لمن يأتي من المقربين أو حتى من الأصدقاء ، لم يكن يتحسّسن كما هو عليه الحال الآن (.. شو جيَّبه في هذا الوقت ، ما حسبنا حسابه ، الأكل قليل..) وغيرها من مسميات ولا يعلم الناس أن الله يبارك في الأكل القليل إذا اجتمع عليه الكثير من الناس والشواهد كثيرة في مجتمعنا ولكن الشيطان يجتهد على الإنسان الضعيف .
في المقابل، كنا نتناول وجبة الغداء في جو من الألفة والمحبة، كانت العائلة الممتدة تجتمع يوميا على قلاية البندورة التي كانت حاضرة وبقوة ، والزيت والزعتر، وشاي العود، أما اليوم فتغير كل شيء، حدّث ولا حرج ؛ فقد ذهبت الألفة والمودة بين أفراد الأسرة القريبة والممتدة ، اختفت مراسم الزيارات لكبار السن واختفت معها البهجة والسرور والبركة ، إنما النزر اليسير من الناس مازالوا يتقيدون بهذه المراسم ولكن بشكل قليل جدا في مجتمعنا .
مرة أخرى ، أعيدونا للوراء قليلا زمن بركة الآباء و الأمهات وغيرهم الذين غادروا الدنيا وغادرت معهم البركة، أعيدونا إلى لذة الطعام وتناوله مع كبار السن حتى تتحقق الألفة والمحبة و يرضى الله علينا .
دعونا نعقد النية من هذه اللحظة للعودة إلى الزمن الجميل ، إلى زمن البركة ، كنا نتفقد الجيران والأقارب بصحن مقلوبة، و صحن منسف ، وصحن رشوف أيضا، أو حتى القليل من الطعام ، أما اليوم فقد أصبحنا نرمي بقايا الطعام في الحاويات ، فقد تغيرت أمزجة الناس نحو الأسوأ حتى أننا نبخل على وضعها للقطط القريبة من البيت ، حتى ذهبت البركة من الطعام والمال والأولاد وحتى من كل شيء ، فقد أصبحت البركة ضائعة بين السعي وراء الكماليات و اختفاء القيم والعادات الموروثة .