بحثت في موضوع التكامل.. فوجدت انه مبدأ اساسي في النجاح.. وفي بناء القيم جميعها والحضارات.. وهو نواة القوة والمنعة والتقدم والازدهار في اي مجتمع او تجمع.. راجيا ان لا يذهب تفكيرنا الى التفاضل والتكامل في الرياضيات.. بل هو التكامل كنهج نرتقي به.. ويرتقي بنا الى ما نصبوا اليه..
فأصل كلمة تكامل يقودنا الى الكمال.. وتعني ان تتكامل وتتظافر الجهود والاشياء لايجاد شيئا لا يحتاج الى ما هو خارجه.. ولو ركزنا وتربينا على هذا المبدأ.. لوجدنا اننا نرقى الى مصاف الانسانية التي تقود ولا تنقاد..
فالتكامل في الصناعات.. يعني الوصول الى سد احتياجاتنا من المنتجات الصناعية.. بعيدا عن التركيز على منتجات مكررة.. يطحن بعضها بعضا بغرض التنافس غير الشريف في كثير من الاحيان..
والتكامل الزراعي.. يقودنا الى ايجاد منتجات واصناف تكمل بعضها بعضا.. وتسد كافة احتياجاتنا.. وتستغل معظم اراضينا التي تصلح لزراعة لكافة الانواع.. وتزيد من فرص التصدير.. فتكون رافدا اقتصاديا للافراد والدولة على حد سواء..
والتكامل في القطاع الصحي ومنشآته.. يسير بنا الى التخصصية الدقيقة في مختلف المجالات الطبية.. فيزيد من الفعالية في تقديم الخدمات الدقيقة في كل تخصص.. بعيدا عن السطحية فيها.. الامر الذي يصبح مصدر جلب للباحثين عن العلاج المتخصص والموثوق من خارج البلاد قبل مواطنيها..
والتكامل في العلاقات الاجتماعية.. يؤدي بالضرورة الى قيام اسر وتجمعات سليمة.. اساسها تقبل النصح والارشاد.. لتصويب ما يشوب الاخرين من مفاهيم واخطاء قد يظنها طرف شيء بسيط ولا يقبل الاعتراف بالخطأ.. ولكن ان اخذها ممن يكملون حياته وعلاقاته الاجتماعية.. لقناعته بانهم يريدون مصلحته وليس تنكيسه او قمع حريته.. فتكون متقبلة لوصوله الاقرب الى الكمال في الخُلق والعفة واحترام الاخر.. وبالتالي صلاح واصلاح للاسرة والمجتمع بكافة اشكال علاقاته البينية..
مواضيع كثيرة نتغنى بها ونريد ان نصل اليها.. ولكن تربيتنا وتنشئتنا للاسف لا تبني ولا تغرس فينا حب التكامل التنافسي في ذات النشاط الاساسي او الحزئي.. ولكنها تركز فقط على الجانب التنافسي المقيت في كل شيء.. وليس التنافس في جزئة من اجل التكامل والمصلحة العامة والعليا..
وهنا اقول.. هل يمكن ان لا نختزل مفهوم وكلمة التكامل في جزء من مقرر الرياضيات لطلبة التخصص العلمي؟!.. وهل يمكن ان نجعل هناك مقررا منفردا اساسيا في كافة مراحل الدراسة.. مثل مقررات التاريخ والعربي والدين وما الى ذلك.. بحيث يتم من خلاله غرس هذا المفهوم في الجيل منذ الابتدائي وحتى التعليم الجامعي.. ويكون فيه التطبيق العملي.. بحيث يصبح من مخزون العقل الباطن للاجيال.. ويظهر على جوارحهم في السلوك وليس فقط في كشوفات العلامات..
فكم من نشاطات اقتصادية فشلت لنقص في مدخلاتها ومكوناتها.. او التمويل الذي يريد ان يكون الاساس والمسيطر فيها.. وليس مكملا للنواحي الفنية والخبرة التي يمتلكها الاخرون؟!..
وكم من علاقات اجتماعية انتهت لظن طرف او مجموعة انها تستطيع المضي دون الاخرين.. ولا تتقبل اي نقد جراء ظنها انها اكملت كل مراحل الفهم والخبرة الحياتية.. ولا تعلم ان عيون وخبرات الاخرين هي مكملة لها ولتصويب مسارها وايصالها الى الدرجة الاقرب للكمال الاجتماعي..
هذا نداء الى من يرسمون السياسات التعليمية.. ونحن في اوج التحضير لمتطلبات الاصلاحات في المناهج الدراسية.. التي نادى وينادي بها جلالة الملك.. ويتحدث فيها كل المعنيين في الاصلاح التعليمي.. بان يكون هناك متطلب اساسي وليس اختياري يعنى بغرس مفهوم التكامل.. ولنجعل الامر واقعا معاشا يرقى بنا.. وليس فقط أحاديث تدغدغ العواطف.. ولا تبني جيلا يصنع المعجزات..