عمّان -
يواصل الأستاذ الدكتور يوسف بكّار بذل الجهود
الكبيرة والحثيثة في رسم ملامح مشروعه الإبداعي النقدي، ويرسخ حضوره الكبير من
خلال منجزه البحثي الذي يؤكد من خلاله جذرية هذا المشروع ورياديته.
ويحاول بكّار من خلال إصداره لثلاثة من الكتب
النقدية المهمة والتي تعتبر إضافة نوعية للمكتبة النقدية العربية، التذكيرٌ بالجدل
العلمي الهادئ الذي نكاد نفتقده في هذه الأيام، ودعوة إلى النقاد والمنشغلين
بالأدب العربي في عصوره كافة للوقوف عندها، والنّظر فيها وتحليلها ومحاورتها من
جديد تعديلاً وإضافة.
وصدر للأستاذ الدكتور يوسف بكّار من خلال "الآن
ناشرون وموزعون" في عمّان ثلاثة كتب هي: "جناية الأدب الجاهلي على الأدب
العربي بين أحمـد أمين وعبد الوهّاب عـزّام"، و"كشف اللّثام عن موقف عبد
الوهّاب عزّام من حافظ الشّيرازي وعمر الخيّام"، و"مصطفى وهبي التل
(عرار).. أضواء جديدة".
جناية الأدب الجاهلي على
الأدب العربي بين أحمـد أمين وعبد الوهّاب عـزّام
وفي هذا الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون
وموزعون" في الأردن في 134 صفحة من القطع الكبير، يعرض فيه بكّار الحوار
النقدي الذي ثار على أثر كتابة الأستاذ أحمد أمين (1886-1954)، رحمه الله، في عام
1939م خمس (5) مقالات في مجلة (الثقافة) المصريّة القديمة بعنوان "جناية
الأدب الجاهلي على الأدب العربي"، يعيد بكار التأكيد على أهمية المشروع
النقدي.
حيث يؤكد بكّار أنه في العـام ذاتـه رد عليه
الدكتـوران: عبـد الـوهّاب عـزّام (1894-1959)، وزكي مبارك (1892-1952)، وكان
الأوّل هو الباديء إذ كتب خمس (5) مقالات في مجلة (الثقافة) عينها بعنوان "الأدب
الجاهلي" فقط. في حين كتب زكي مبارك ليردّ على أحمد أمين في اثنتين وعشرين
(22) مقالة في مجلة "الرّسالة" الزياتيّة والتي صدرت فيما بعد بكتاب تحت
عنوانه "جناية أحمد أمين على الأدب العربي".
ويقول بكّار في مقدمة الكتاب: "لست في صدد
أن أُفصّل في ما كتبه زكي مبارك عن أحمد أمين، فهو مسطور في كتابه. لكن لابدّ من
ذكر أنّه أخذ عليه التعميم والغلّو لعدم التّثبت والتؤدة والأناة، وأنّه نظر إلى
الشعر وأغفل النثر وحينما ذكر الأدب أراد به الشعر وحده، وذهب إلى أنّ الشعر
العربي لم يقف عند موضوعات محدودة ولم يلزم فيه الإسلاميون سُننَ الجاهليين".
ويصل بكّار إلى ذكر جزء من الردود بين هؤلاء
الكبار حيث يقول زكي مبارك: "انتهيت من محاسبة أحمد أمين الباحث، أمّا أحمد
أمين الصّديق فله في قلبي أكبر منزلة وأرفع مكانة. ولن يراني إلّا حيث يحب في حدود
المنطق والعقل؛ وسلام عليه من الصديق الذي لا يغدر ولا يخون".
ويسوق بكّار مواقف عبد الوهّاب عزّام النقدية
لمقالات أحمد أمين عارضا لنماذج منها؛ فأمّا التفاصيل ففي المقالات، ومنها "فمعيشة
العرب في جاهليتهم – المعيشة التي يصوّرها الأدب الجاهلي – لم تُزَلْ بظهور
الإسلام، ولم تنقطع بانقطاع الجاهلية الدينيّة، بل هي مستمرّة منذ العصر الذي
نسمّيه (الجاهلية) إلى يومنا هذا".
ويضيف: مقالات أحمد أمين، لاقت إذ ذاك، ردوداً
أُخرى ونقداً، فقد ذكرت مجلة "الثقافة" نفسها تحت عنوان "جناية
الأدب الجاهلي على الأدب العربي" أنّه وصلت إليها مقالات كثيرة بعضها يؤيد
الفكرة وبعضها يردّ عليها. بيد أنّها لم تنشر منها إلّا ما كتبه كلّ من: محمد
العربي السّيد، ومحمد عبد الحليم أبو زيد، وعبد العظيم محمد، ناهيك بمقال مستقّل
وحده لمحمد الخطيب من حيفا بفلسطين عنوانه: "حول جناية الأدب الجاهلي على
الأدب الحديث" دافع فيه عمّا ذهب إليه أحمد أمين وسوّغه.
كشف اللّثام عن موقف عبد الوهّاب عزّام من حافظ
الشّيرازي وعمر الخيّام
وفي كتابه "كشف اللّثام عن موقف عبد
الوهّاب عزّام من حافظ الشّيرازي وعمر الخيّام"، الصادر عن "الآن ناشرون
وموزعون" في الأردن في 82 صفحة من القطع الكبير، يؤكد الباحث والناقد الأستاذ
الدكتور يوسف بكار على جذريته في تناول العديد من المواقف النقدية المهمة ويعيد
انتاجها وفق شروط البحث والنقد العلمي الوازن.
ويقدم بكار في هذا الكتاب اطلالة مهمة من خلال اقسام الكتاب والتي تكشف الحقيقة عن
قضيتين علميّتين مهمّتين في آثار عبدالوهّاب عزّام أُثيرتا توّهمًا ودون تمحيص
ومتابعة لكلّ ما كتب، وانطلاقًا من صوفيته الحقّة وتديُّنه الشديد الصادق. حيث
تتضمن الأولى، موقفه من الشاعر حافظ الشيرازي، إذ قيل إنّه كان يخشى على المسلمين
من تصّوفه؛ والأخرى موقفه من عمر الخيّام. فقد قيل إنّه كان يمقته ويكرهه، وإنّه
سمّى أحد دواوينه "المثاني" لا "رباعيّات". الحقيقة غير هذا،
فلعبدالوهّاب عزّام دراسة رصينة عن حافظ الشيرازي وترجمة لأربعة نصوص من شعره
الصّوفي؛ فأمّا الخيّام فقد ترجم خمس عشرة (15) من رباعيّاته، وكتب عنه مقال "بين
أبي العلاء والخيّام".
ويشتمل القسم الأوّل من الكتاب على ردّه على
مقوله تلميذه الوفيّ وخليفته في مركز الدراسات الشرقيّة بكلية الآداب بجامعة
القاهرة وشريكه في بعض ما ألّف وحقّق وترجم الرّاحل الدكتور يحيى الخشّاب، الذي
رأى أنّ عزامًا كان شأنه شأن شاعر باكستان الذائع الصّيت محمد إقبال يخشى على
المسلمين من تصوّف حافظ الشّيرازي، ورأى أنّ تصوّف عزّام كان ترك المظاهر الزائفه
فهي قشور، والتّمسك بالجوهر الحقّ فهو سرّ الحياة. وكان لطه حسين أستاذ عزّام
وزميله وصديقه رأي قريب الشّبه. وقد جارتهما في هذا الدكتورة عفاف السّيد زيدان
أستاذة اللّغة الفارسيّة في جامعة الأزهر.
فأمّا القسم الآخِر، فعن عبد الوهّاب عزّام وعمر
الخيّام؛ وهو، كذلك ردّ على ما ذهب إليه تلميذه الدمشقي الدكتور زكي المحاسني،
الذي ذهب دونما متابعة وتمحيص مأخوذًا برباعيّات الخيّام بقضّها وقضيضها آنذاك،
إلى أن عزّاما كان يكره عمر الخيّام ويمقته، لأنّه كان في رأيه صاحب مذهب وجودي
ويحضّ على شُرْب المُدام، ولأنّ عزّاما عنون أحد دواوينه بـــ"مثنيّات"
لا "رباعيّات"؟
مصطفى وهبي التل (عرار).. أضواء جديدة
وفي كتابه الثالث الذي جاء بعنوان: "مصطفى
وهبي التل (عرار).. أضواء جديدة" والصادر عن "الآن ناشرون وموزعون"
في الأردن في 136 صفحة من القطع الكبير، يقدم الأستاذ الدكتور يوسف بكّار قراءة
جديدة ومغايرة في سيرة ومنجز الشاعر الأردني الكبير مصطفى وهبي التل.
الكتاب الذي يعتبر اضافة نوعية في البحث في أرث
الشاعر الأردني يكشف عن مسائل وأمور جديدة ومهمة عن عرار من خلال ستة فصول: الأوّل
عن حقيقة لقب "عرار" وعنوان ديوانه واسم مدينته وريادته "الشّعر
الحرّ"؛ والثاني ينبّه على ما استدرك على شعره ونثره وأهميّة رسائله الثماني
إلى صديقه محمد صبحي أبو غنيمة أيام كان ﰲ دمشق، وعلى أخبار جديدة مجهولة. والثالث
عن عرار المترجم ومدى حقيقة معرفته اللّغات الثلاث؛ الفارسيّة والتركيّة
والفرنسيّة، وعن ترجمته رباعيّات الخيّام وتحقيق مخطوطتها وما عليها من ملاحظ
مؤكّدًّا ريادته التاريخيّة المبكّرة بترجمتها عن الفارسيّة وغيرها. فأمّا الفصل
الرّابع فموقوف على ما لقيته الترجمة من أصداء وأبعاد؛ إذ كتب عنها سبعة باحثين من
الأردن والعراق ومصر وتونس، ونظم الشاعر المصري عاطف مصطفى محمود بعضها ﰲ حين
نظمها كاملةً الشاعر العراقي هشام سلطان، وأدرج بعض المترجمين عددًا منها ﰲ
ترجماتهم للرباعيّات استئناسًا. أمّا الفصل الخامس فيميط اللّثام عن حقيقة خياميّة
عرار وتحوّله من الاحتذائيّة المحضة ﰲ كل شيء إلى العقلانية العلميّة بحيث غدا
عُمَرُ الخيّام غيرَ الخيّام الذي تمثله أكثرُ الرّباعيّات المنسوبة إليه. وأمّا
الفصل الأخير فيكشف عن فضاءات موسيقية خمسة منسيّة لم يفطن إليها أحد، هي: (15) رباعيّة،
و(9) مثنيّات، وبعض مخمّسات مفردة وقصائد، ومُثَلَّثتان، ومُسَبَّعتان.
يذكر أن الدكتور يوسف بكّار باحث وأكاديمي
أردني، حائز على جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي عن مجموعة أعمال في
الترجمة عن الفارسية.