نظم المنتدى الثقافي في مؤسسة عبد الحميد شومان بالتعاون مع مختبر السرديات الأردني، مساء أمس الاثنين، ندوة استذكاريّة حول تجربة الروائي الأردني المرحوم إلياس فركوح، وهي تجربة سردية ثرية وفريدة وذات خصوصية في الشكل والمضمون.
وشارك في الندوة أستاذ الأدب والنقد وعميد كلية الآداب في جامعة فيلادلفيا الدكتور محمد عبيدالله، والكاتب والباحث والناقد الادبي فخري صالح والأستاذة في اللغة الإنجليزية وآدابها هيفاء أبو النادي، والشاعر والمترجم وليد السويركي، وقدمهم وأدار الحوار مع الجمهور رئيس مختبر السرديات الأردني الكاتب مفلح العدوان.
الدكتور عبيدالله قال في ورقة قدمها بعنوان إلياس فركوح: الإقامة في أرض اليمبوس- صور من تقاطعات السرد والسيرة والهوية، "تقيم كتابة الأديب الراحل (فركوح) في منطقة بينية وسطى، يمكن أن نصطلح على تسميتها بــ(أرض اليمبوس) أي بالتسمية التي اختارها فركوح عنوانا لروايته الثالثة، وهي تسمية مستوحاة من الثقافة المسيحية، بما يقرب من منطقة (الأعراف) وفق التصور الإسلامي، مشيرا إلى أن كتابة فركوح تنطلق من ذلك الأصل وتتوسع به إلى حدود بعيدة، أي أنه امتد بهذه المنطقة ذات الأصل الاعتقادي البيني، وتعامل معها بوصفها استعارة وجودية تشمل حياته وتفكيره وأدبه، وتصلح أن تكون أوسع مدخل أو مفتاح يمكن أن يعيننا على قراءة مدوّنته الأدبية والثقافية الواسعة، بما فيها من ثراء رؤيوي وتنوع أسلوبي.
وأوضح أن فركوح لم يكتب سيرة صريحة أو حتى مقنّعة لنفسه، ولكنه طوّر القصة القصيرة وحفّز الرواية (وهما يشتركان في أنهما وفق عقدهما السردي جنسان ينتميان للتخييل) لا ليروي من خلالهما سيرته فحسب، وإنما ليصقل السيرة مستعينا بآليات الذاكرة وبإمكانات الوعي السؤول، (قلْ: المتشكك، اللايقيني، البيني...) فتغدو الرواية سبيلا من سبل مساءلة الهوية ومواجهة مآزقها وتعريفاتها وتجلياتها الجميلة والبشعة على مستوى الفرد والجماعة.
من جانبها أكدت هيفاء أبو النادي، أن إلياس فركوح حين يكتب المقالة الفنية أو السياسية مثلًا، فإنه يكتبها بلغة سردية أدبية نقدية، تتصف بالعمق والتركيز والتوثيق والموضوعية، فتصير في الوقت نفسه نصًّا أدبيًّا بامتياز، مبينة أنه يعرض فيها موضوعًا أو فكرة، أو يقدِّم كتابًا أدبيًّا جديدًا كان قد قرأه، فيعرض موضوعه، ويُعرِّف به وبصاحبه ويناقشه وينقده، آتيًا على ذكر ما فيه من حسنات وسيئات بطريقة نقدية بنَّاءة. كما يتناول في عدد آخر من مقالاته عرضًا وتحليلًا لموضوعاتٍ فنية، أو تعريفًا بفنانين أو فنانات، وأعمالهم الفنية، ثم يضعها تحت مبضع التعريف والنقد والتحليل والنقاش، مرفقًا معها صورًا لهذه الأعمال.
وقالت إنه عُرِفَ عن إلياس شدة ولعه بالفن والفنانين، وافتتانه بالتصوير الفوتوغرافي أيضًا، مشيرة إلى أنه كلُّ من اقترب من إلياس لمس فيه بعدَ نظره ورؤيته الأدبية والفنية الاستشرافية. فقد كان يرفد المكتبة العربية بشتى صنوف المعرفة عبر مقالاته وترجماته.
الكاتب فخري صالح قال في ورقة بعنوان "لعبة تحليل المشاعر وتعدد الخيارات الأسلوبية عن إلياس فركوح وعالمه القصصي"، قرأها عنه العدوان لعدم تمكنه من الحضور لظرف طارئ، "يمثل إلياس فركوح (1948-2020) واحدًا من مجددي دم القصة والرواية العربيتين في العقود الأربعة الماضية، إذ استطاع أن يمنح الكتابة السردية تلك القدرة على وصف الأعماق، وتأمل الصراع الداخلي للشخصيات، بالانتقال من الوصف الخارجي للعالم إلى الغور عميقا فيما يعتمل داخل شخصياته.
وأضاف أنه على الرغم من العدد القليل من المجموعات القصصية، والروايات، التي كتبها فركوح، إلا أنه استطاع أن يكون واحدًا من أهم كتاب القصة والرواية في الأردن والعالم العربي منذ تسعينيات القرن الماضي، وواحدًا من ممثلي كتابة الأعماق في السرد العربي الراهن.
السويركي قال إنه "خلال أربعين عاماً من الحضور الثقافي اللامع والمؤثر كانت الترجمة في صلب تجربة الراحل إلياس فركوح، مشيرا إلى أن نشاط فركوح في الترجمة توزع على ثلاث محاور أساسية: الصحافة الثقافية، الترجمة (ترجمة الكتب) والنشر في تجربتي منارات وأزمنة، منوها إلى إسهامات الراحل في الصحافة المحلية والعربية على مدى عقود، كاتبا ومترجماً ومحررا (الأخبار، عمّان، أوراق، تايكي)".
وأضاف أن روح الهواية والشغف حررته كناشر من الاعتبارات التجارية والتسويقية إلا بالقدر الذي يمكنه من الاستمرار، وطبعت منشورات الدار وهويتها بذوقه واختياراته الشخصية كقارئ حصيف ومتابع شغوف، مبينا أن ما انجزه فركوح في مجال النشر يتضاعف حين نتذكر الظروف والشروط الثقافية والاقتصادية الصعبة التي كانت تحيط به.
وكان العدوان أشار في بداية الندوة إلى أن هناك جيل من الكتاب في الأردن احتضنهم إلياس ودار أزمنة، وكان بوابة دخولهم إلى عالم الأدب والنشر، مشيرا إلى أن إلياس فركوح ترك لنا انتاجا إبداعيا غزيرا لافتا، ولكن ليس على حساب النوع، فهو مجدد، مغامر في التجريب، يشق درب كتابته بحرص على الاختلاف والتنوع، شكلا ومضمونا، يحتفي بأناقة الشكل، يحرص على جماليات الأدب، يعتني باللغة وينحت فيها، ليقدم المغاير اللافت، وهو نشط في الصحافة الثقافية، يمتلك رؤية فكرية وسياسية خصبة.
وتخلل الندوة كلمات مؤثرة من أهل وأصدقاء وزملاء الراحل إلياس فركوح، استذكروا فيها مواقفه الإنسانية واسهاماته الأدبية على الساحة المحلية والعربية.
ورحل إلياس فركوح عن عالمنا في تموز عام 2020، على إثر نوبة قلبية حادة، تاركا إرثا إبداعيا كبيرا، أنجزه على مدى نصف قرن من العمل، تنوع بين الإبداع الأدبي السردي؛ قصة ورواية، والترجمة، والمقالة.
فركوح حاصل على درجة البكالوريوس في الفلسفة وعلم النفس من جامعة بيروت العربية، وقد عمل في الصحافة الثقافية قبل أن يؤسّس دار أزمنة للنشر، وخلال رحلته الإبداعية حصل على العديد من الجوائز، كجائزة أفضل مجموعة قصصية من رابطة الكتاب الأردنيين العام 1982 عن مجموعته "إحدى وعشرون طلقة للنبي"، وجائزة الدولة التشجيعية العام 1990 عن روايته "قامات الزبد"، وجائزة الدولة التقديرية العام 1997 في فرع الآداب. كما حاز على "جائزة محمود سيف الدين الإيراني للقصّة القصيرة".