صحيح أنَّ من كنوزِ وسطِ العاصمةِ الحبيبةِ عمان المدرجُ الروماني، لكن هذا المدّرج كان ليلة أمس مدرَّجٌ عمّاني بإمتياز. فعمانَ، زهرةُ الأردّنِ البهية، جمعت حولها عشّاق الكلمة والنغم والفن الراقي والأصيل والذي يعكس تراثنا وتاريخنا وهُويتنا التي تربينا عليها بروح العروبة التي تجمعنا من المحيط إلى الخليج بلغةٍ عربيةٍ بليغةٍ يتوق الكثيرون أن يتعلّموها.
فماذا أجمل من أن يُغَنَّى لعَمانَ، مدينة الحب الأخوي، وعاصمة التنوع الثقافي والديني والعرقي والإثني والمذهبي، ومع هذا التنوع والتعدد الثري، إلا أنها عاصمة تجمع ولا تفرّق، توحّد ولا تشتت، تبني ولا تهدم، تزرع ولا تقلع، وتصدح بصوتها الشجي في كافة المنابر الدوليةِ مناصرةً قضايا العدالة والسلام وحقوق اللاجئين والمشرّدين، والميل إلى الحلول السياسية لكافة القضايا الشائكة والمعقدّة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وقبلتها القدس الشريف، حاضنة مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، والتي تحظى ببركة الرعاية الهاشمية عليها كابراً عن كابر، تحت ظل عميد آل البيت جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم وولي عهده الأمين سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني المعظّم.
ما عشناهُ ليلةَ أمسٍ كانت ليلةً من ليالي العمر الشجية، نسجتهُ الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة بخيوط الكرامة العربية المهَّدبة بما رضعناه من محبةٍ وعشقٍ لترابِ بلادنا المشرقية وأرضنا المقدسة، التي داستها أقدام الرسل والإنبياء وأقدام السيد المسيح. وما زالت هذه الأرض نابضة بكل معاني الحب والسلام والقيم الإنسانية النبيلة التي لا يمكن أن تستقيم الحياة البشرية بدونها، مهما تقدّمت في مجالات الحياة المختلفة، فهذه القيم هي ملحٌ للأرض ونورٌ للعالم، وهي بوصلة للحياة الإنسانية الراقية المفعمة بالمشاعر الإنسانية النبيلة التي تُقدِّر معنى الحب والجمال والعشق والخير والعطاء والمحبة التي لا تسقط أبدا.
الفنانة دلال أبو آمنة، كانَت صوتُ فلسطين الجريحة، لا بل صوتُ الأمَّةِ العربية التوّاقة إلى الحرية وإلى السلام القائم على الحق والمرتكز على العدل، وإلى السعي لتحقيق النهضة المنشودة التي تُوّفرُ فرصَ العملِ للقُوى الشبابية الهائلة في بلادنا وتحققُ سبل العيش الكريم. بأدائها الرفيع وحدّت الفنانة آبو آمنة قلوبَ الجالسين على المدرج العمّاني من شتى البلاد العربية، فصفقت الجماهير معاً وهتفت معاً ولوحة بأياديها معاً.
وقد أشادت الفنانة أبو آمنة بوحدة الحال التي تجمع الأردنيين والفلسطينيين كشعب واحد، وحدهم التاريخ والجغرافيا وصلات الدم والنَسب وحبّ الأردن وفلسطين والقيادة الهاشمية، التي ما انفكت يوماً في الدفاع عن فلسطين وعن أهلها وعن مقدساتها.
وأجمل ما ميّزَ هذا الحفل العمّاني الرائع أنه حمل رسالة إنسانية راقية في ثناياه، فقد خُصِّصَ ريعُ هذا الحفل إلى مركز الحسين للسرطان لبث روح الحب والحياة والأمل في نفوس من قَسَتْ عليهم الحياة وَعَذّبتهم.
وهذا هو حال الفن عندما يتمزج بالرقي الإنساني في العمل الخيري النبيل، عندها يحقق الفّن غايتَه ويؤدي رسالتَه ويبعث في النفس العزمَ والأصرارَ على بذل الذات في سبيل إسعاد الآخرين وزرع بذور الخير والمحبة للجميع دون تمييز.
ولربما ما قدمّته الفنانة الدكتورة دلال أبو آمنة من شهادة حيّة عن قصة حياة عائلتها الشخصية، وما جادت به نفسُها لدعم عمل الخير والإنساني النبيل هو ما تحتاج إليه مجتمعاتُنا العربية اليوم، فالفرد لا يجد ذاتَه إلا بمجتمع قوي، متماسك، منسجم، ومحب للخير والعطاء اللامحدود.
وتتوّجت نجمتنا الفلسطينية دلال أبو آمنة بإطلالتها من تصميم وتنفيذ مصممة الأزياء الأردنية زينب الكسواني.