اعتبر خبير الأوبئة الأمين العام المساعد لشؤون الإدارة الأسبق في وزارة الصحة الدكتور عبد الرحمن المعاني، أن هناك انخفاضا في جودة الخدمات الصحية في المملكة، عازيا ذلك إلى الزيادة السكانية وارتفاع أعداد اللاجئين، فضلا عن نقص الإمكانيات المادية لمواكبة تلك المستجدات، وداعيا إلى التفكير جديا بأسلوب "المعالجة عن بعد" كوسيلة لتخفيف الضغط على المرافق الصحية.
جاء ذلك في قراءة متأنية قدمها المعاني حول واقع الخدمات الصحية والطبية في المملكة من حيث التحديات والصعاب والحلول المقترحة، وفقا لصحيفة الغد.
وبخصوص مستوى جودة الخدمات الصحية الأولية، قال المعاني إن الملاحظ أن محافظة العاصمة التي يقطنها نحو 4.5 مليون نسمة، لا يوجد فيها سوى مستشفيين حكوميين هما "البشير" و"حمزة"، وبعدد أسرة لا يتجاوز 1500 سرير.
وبين أن من شأن ذلك أن يولد ضغطا على البنية التحتية، وعلى الكوادر الطبية والصحية والتمريضية في القطاع الذي يقدم خدمات العلاج الصحية للمراجعين يوميا، وفي الوقت ذاته لا يستطيع قطاع الصحة العامة زيادة أعداد كوادره البشرية المؤهلة لتلبية الاحتياجات المتزايدة، ما أدى إلى غياب الخطط وآليات المتابعة للحالات المرضية الحرجة والإشراف عليها بشكل فعال، وحسب البروتوكول الطبي الموضوع لمعالجة هذه الحالات.
وأكد أن هناك زيادة في الضغط على المؤسسات الطبية والصحية نتيجة ظهور أوبئة جديدة، مثل جائحة كورونا التي استمرت ثلاث سنوات وأدت إلى إرهاق الكوادر الطبية والصحية، واستهلاك الأجهزة والمعدات بشكل كبير ومكثف، إضافة الى ضعف الإنفاق على خدمات الرعاية الصحية الأولية أو الوقائية والصحة العامة، ما يؤدي لزيادة الحاجة إلى مراجعة المستشفيات وإرهاق أقسام الإسعاف والطوارئ فيها.
وبحسب دراسات صحية وفقا للمعاني، تبين أن 75 % من أعداد الحالات التي تراجع أقسام الإسعاف والطوارئ الطبية هي حالات غير طارئة ويمكن معالجتها في العيادات والمراكز الصحية الأولية والشاملة المنتشرة في جميع أنحاء المملكة، لافتا الى أنه يمكن حل المشاكل والمعوقات التي تواجه أقسام الإسعاف والطوارئ في حالة الاستخدام الكافي للتقنيات الحديثة لتقديم الخدمات الصحية، على غرار العلاج عن بعد في المرافق الصحية التابعة للقطاع العام.
كما اقترح تفعيل المراكز الصحية الشاملة من حيث تزويدها بالكوادر الطبية والصحية المؤهلة والأدوية والأجهزة والمعدات الطبية والصحية.
ولفت الى وجوب العمل على معالجة النقص الحاد في التخصصات الطبية في مستشفيات الأطراف الحكومية والمراكز الصحية الشاملة، لتخفيف الضغط على المستشفيات الكبرى، وهذا الأمر إذا لم تتم معالجته سيؤثر على جودة الخدمات الصحية والطبية المقدمة للمراجعين، إضافة الى أهمية العمل على تأمين الصحة للجميع وبشكل عادل، وأن يكون الوصول إلى الصحة بشكل ميسر من خلال توسيع تغطية التأمين الصحي وإيجاد توازن في الإنفاق على الصحة بين المدن والريف والمحافظات.
برامج التأمين الصحي ووقف الازدواجية
وبين المعاني أن من العوائق والصعوبات التي تواجه تطوير الخدمات الصحية والطبية، تنوع برامج التأمين الصحي والازدواجية في التغطية الصحية، ما يتطلب وجود سجل وطني شامل للتأمين الصحي في المملكة يعالج الاختلالات والازدواجية في التغطية، ويعزز فرصة غير المؤمن عليهم للحصول على تغطية مناسبة وكافية ضمن خطة واضحة المعالم مبنية على بيانات دقيقة للإعفاءات الطبية التي تمنح للمواطنين غير المؤمنين.
وفي هذا المجال، من الضروري إجراء دراسة شاملة لوضع التأمينات في القطاع العام وأنواعها ومستوياتها، والعمل على توحيدها تحت مظلة واحدة مشتركة، وكذلك تحديد فترة زمنية لتطبيق التأمين الصحي الشامل بحيث يراعي توفير الخدمة الصحية للفئات الضعيفة، مثل العاطلين عن العمل وكبار السن وممن يعانون من الأمراض المزمنة.
وتابع: "لا بد من دراسة تطبيق التأمين الصحي لمشتركي الضمان ممن ليس لديهم تأمين آخر، من خلال دراسة واقعية ودقيقة تحدد الطريقة المناسبة والصحيحة، بحيث لا تؤثر على مؤسسة الضمان الاجتماعي ماديا".
أما فيما يتعلق بتنظيم وتحسين المنظومة الصحية في المملكة، وفق المعاني، فلا بد من تفعيل القانون في قضايا الصحة العامة وتعزيز دور السلطات التنظيمية، وضرورة تفعيله في جميع محاوره وبنوده، فضلا عن الحاجة الماسة لتفعيل وتنشيط والبدء بتطبيق قانون المسؤولية الطبية لما له أثر كبير في تنظيم العلاقة بين مقدم الخدمة الصحية ومتلقيها، وبما يحفظ حقوق الطرفين وجميع الأطراف الأخرى.
** الإنفاق على قطاعات الرعاية
وبالإشارة إلى موضوع الرعاية الصحية الأولية، لفت المعاني الى أن مستوى الاهتمام بها أقل من مستوى الاهتمام في مجال الرعاية الصحية الثانوية والثالثية المكلفة ماديا، مشددا على ضرورة تعزيز الإنفاق على خدمات الرعاية الصحية الأولية وتحسين بنيتها التحتية، ووضع برامج صحية وقائية وحملات توعوية صحية لرفع الوعي الصحي لدى المواطنين، إضافة الى إشراك المجتمع في الوصول إلى الحاجات الواقعية والفعلية على مستوى التخطيط الاستراتيجي الصحي والتنفيذ والتقييم.
وقال إنه كلما زاد الاهتمام والانفاق على خدمات الرعاية الصحية الأولية، قل الإنفاق على خدمات الرعاية الصحية الثانوية والثالثية.
وأشار إلى أن آخر الدراسات العلمية الواقعية تشير إلى أن المملكة تنفق على الرعاية الصحية الأولية حوالي 19-21 % من إجمالي الإنفاق الصحي الحكومي، وباقي الإنفاق يتم صرفه على خدمات الرعاية الصحية الثانوية والثالثية.
وبين أيضا ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية وإدماجها في مجال الرعاية الصحية الأولية والشاملة باعتبارها عنصرا أساسيا من مكونات الحق في الصحة والحصول عليها لجميع المستهدفين، مشددا على وجوب الاستعداد والتأهب لأي طارئ، وتعزيز النظام الصحي للأزمات المتوقعة عبر خطط وآليات واستراتيجية وتدريب وبناء القدرات البشرية المؤهلة، وذلك لتحسين الاستجابة الأولية والفورية للكوارث والأزمات والأوبئة مستقبلا.
** قياس مستوى الرضا
وأشار المعاني إلى أن من المؤكد أنه لم يتم إجراء دراسات علمية لقياس مدى رضا متلقي الخدمات الصحية في المملكة، لمعرفة واقع الحال بالنسبة لقطاع الرعاية الصحية بجميع مستوياتها الثلاثة الأولية والثانوية والثالثية.
ولفت الى أهمية أن ننظر إلى المحور الصحي وجودته، والمشاكل والمعوقات التي تعترض طريق الإصلاح والتحسين والتطوير في القطاعات الصحية الحكومية، مشددا على وجود حاجة ملحة لإجراء دراسات علمية واقعية لقياس مدى رضا المستفيدين من خدمات الرعاية الصحية في المنظومة الصحية والجوانب القانونية من التشريعات المختلفة في مجال الصحة العامة وقانون المسؤولية الطبية، بهدف صياغة خطط التطوير والتحسين في القطاعات الصحية الحكومية بناء على نتائج وتوصيات تلك الدراسات.
وبين أننا أمام مرحلة تحديث شامل تستدعي التخطيط الاستراتيجي الصحي والإدارة الصحية المجتمعية والرعاية الصحية الأولية، ويجب الاعتراف أن الأردن خطا خطوات واضحة وواسعة في تحسين الوضع الصحي، في القطاعين العام والخاص.
واستدرك: "غير أن المنظومة الصحية يجب تقييمها ودراستها بشكل واقعي ومنطقي، على أن تكون رسالة ورؤية القطاع الصحي واضحة المعالم، وموزعة المسؤوليات والمهام على كافة المستويات، وذات أهداف واضحة وواقعية ومحددة في فترة تنفيذ قصيرة الأمد، ومتوسطة، وطويلة، علاوة على تحديد المسؤولية والتقييم والمتابعة والتعديل كلما ظهرت حاجة لذلك، على أن يتم إشراك المجتمع المدني في جميع المراحل المختلفة، بدءا من التخطيط الاستراتيجي الصحي، وانتهاء بمرحلة التقييم والمتابعة والتعديل".
انشاء بنك معلومات وطني
وأوضح المعاني أنه نظرا لضرورة الحصول على المعلومات والأرقام والإحصاءات الصحية المطلوبة، فيجب إنشاء مركز أو سجل أو بنك وطني للمعلومات الصحية يضمن الوصول السلس والسهل للمعلومات وتشارك فيه جميع القطاعات الحكومية المعنية.
ولفت الى أن من شأن ذلك أن يوجد تنسيقا بين مؤسسات التعليم العالي التي تخرج الكوادر الطبية والصحية والمساندة، والجهات التي تقدم الخدمات الطبية والصحية مع الجهات التي تقوم بتشغيل خريجي هذه المؤسسات.
ودعا الى العمل على التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي التي تدرس الكوادر المؤهلة في المجال الصحي وأصحاب العمل (قطاعان عام وخاص) لسد الفجوة بين مخرجات مؤسسات التعليم العالي والكفاءات والمهارات التي يحتاجها سوق العمل.
وبخصوص التشريعات والقوانين التي تنظم العمل في المجال الطبي والصحي العام من حيث التدريب والدعم اللوجستي والفني وتجهيز البنية التحتية الإلكترونية، أشار الى أهمية تجويد تشريعات القطاع الصحي، والاهتمام بالشراكات مع الجهات والقطاعات الأخرى وتفعيلها لإيجاد الدعم السياسي والاجتماعي، وإرساء شراكة حقيقية بين قطاع الصحة العامة وجميع القطاعات الأخرى في المجتمع.
وقال إن توفير الأدوية والمستلزمات الطبية والصحية، ومنشآت القطاع الصحي الحكومي بشكل عام، وبخاصة في المحافظات، يساعد على تحسين جودة الخدمة الطبية، مشددا على حق المواطن في الحصول على الدواء بأي طريقة قانونية ومشروعة بعيدا عن الإجراءات الإدارية والمالية الأخرى.
ودعا الى الاهتمام وتفعيل المستودعات المركزية ومستودعات إقليمي الشمال والجنوب، والاهتمام بالأجهزة الطبية وصيانتها، واستبدال القديمة منها بأخرى حديثة، وتوفير الأجهزة للمختبرات المركزية وحسب احتياج كل محافظة، إضافة إلى إنشاء مختبرات لفحص المياه في جميع المحافظات، وتفعيل المراكز الصحية الأولية والشاملة الموجودة في جميع أنحاء المملكة.
** توصيات
في ختام قراءته، أوصى المعاني باستخدام التقنيات الحديثة في الخدمات الصحية والطبية في المعالجة عن بعد في المرافق الصحية العامة، للمساعدة على تقليل الحاجة للمراجعات في بعض الخدمات الصحية.
كما أوصى بضرورة التوجه لإنشاء مستشفيات جديدة، خصوصا في العاصمة، نظرا للكثافة السكانية الضخمة، وزيادة الإنفاق الحكومي على خدمات الرعاية الصحية الأولية والشاملة، إذ لا يصرف حاليا سوى 19-21 % من إجمالي الإنفاق الحكومي على الصحة.
ودعا إلى توفير الكوادر الطبية والصحية المؤهلة والتخصصية، لاسيما في المحافظات.