(رفعُ القبعة) تعبير رمزي للدلالة على إبداء المودة، والمسالمة، والاحترام والتقدير. وهو واحد من تقاليد الأوروبيين، وأساليبهم التعبيرية التي ظلت شائعة ومستمرة حتى أوائل القرن العشرين.
تعود جذور عادة (رفع القبعة) إلى عصـر سيادة الفروسية في أوروبا، يوم كانت قبعات الرجال خوذات حديدية، تحمي رؤوسهم في المعارك والحروب؛ فكان الرجل الأوروبي، في تلك الأيام، إذا دخل منزلا، أو مكان اجتماع، أمسك بقبعته ورفعها عن رأسه؛ إعلانا لصداقته لأهل البيت، أو لمن يلتقيهم من غير الأعداء؛ تعبيرا عن أنه لا يحمل إليهم إلا مشاعر الصداقة والسلام، ولا يتوقع منهم إلا الشعور ذاته.
وبعد أن ذهب عصـر الفروسية لديهم، بما كان يشتمل عليه من حروب ومعارك، تتطلب من المحاربين حماية رؤوسهم بالخوذات الحديدية، بقيت عادة رفع القبعات التي أصبحت قماشية؛ لتحمل الدلالة ذاتها.
يا جماعة الخير،
من حق الأوروبيين أن تكون لهم قبعاتهم التي يرفعونها؛ تعبيرا عن التحية أو التقدير، أو الإعجاب.
ولكن، لماذا أصبح كل المعلقين على منشورات الأصدقاء في عالم الفيسبوك في بلادنا، يستخدمون تعبير (رفع القبعة)؛ للتعبير عن إعجابهم بفكرة ما، أو موقف ما، فيكتب أحدهم: "كلام ترفع له القبعات/ فكرة ترفع لها القبعات/ مبادرة ترفع لها القبعات".
يا جماعة الخير،
أين هي هذه القبعات التي ترفعونها؟ وأية علاقة تاريخية أو وجدانية تربطنا بها؟
لماذا تريدون أن تسرّبوا إلى لغتنا وثقافتنا، وأساليب مخاطباتنا تعبيرا ليس منّا، ولسنا منه؟ ألا يكفينا رفع سعر الفائدة على القروض؟ ألا يقوم رفع سعر المحروقات بالواجب؟
أما إذا كان لا بد من الـرفـع، وفي بعضه خير وبركة، فلماذا لا نستخدم شيئا يعرفنا ونعرفه؟
العقال، مثلا، ورغم أن الغالبية العظمى من أبناء شعبنا لا تستخدمه إلا في مناسبات قليلة خاصة، فإنه يحمل رمزية لها مكانتها واحترامها؛ باعتباره جزءا من ملابسنا التقليدية التراثية. ولعل كثيرين منا يتذكرون عبارات، كان الآباء والأجداد يستعملونها للتعبير عن إعجابهم وفخرهم ببعض أبنائهم، أو أبناء عمومتهم وخؤولتهم، فيقول أحدهم: «والله (عَـنْـقَرْتْ) عقالي فيك/ والله لمّا حكوا لي عنّك مَـيّلْـت عْقالي».
ألَمْ نفــــخرْ في أهازيجنا، ذات يوم، بالنشامى (ربع الكفافي الحمر، والْـعُــقُــل مَــيـّالَــــــة)؟؟!
ألا تلاحظون أن هذه العبارات تتحدث عن (إمالة العقال) وليس عن نـزعه أو رفعه؟؟
إذن يا عزيزي، بما أنك لا تعتمر قبعة، ومن النادر أن يكون على رأسك عقال، فما عليك إذا أعجبتك فكرة أو مقال، أو مبادرة أو تصرف سوى أن تعبر عن ذلك بأسلوبك الخاص، بعيدا عن العبارة المعلبة (رفع القبعة) التي فقدت طعمها ونكهتها؛ لكثرة التداول والاستعمال.. قل: مثلا: تعجبني هذه الفكرة، أقدر هذا الرأي، أو أحيي هذا الموقف... إلخ.
أقول ما تقرؤون، وأستغفر الله لي ولكم، ولعلكم سمعتم فيما كنتم تسمعون، صوت (سلوى العاص):