في الحياة معادلات متعددة بتعدد المجالات التي تسود مختلف نواحي الحياة، ولكِّلِ ناحيةٍ من تلك النواحي معادلات تتوافق مع الحاجة للتغلب على الخصوم وتحقيق أفضل النتائج، ولا سيما في المجالات العسكرية، فمعادلاتها متغيرة وفق تغيُّرِ الظروفِ والأحوالِ، للوصول إلى تحقيق الأهداف المرصودة والمنشودة.
وكذلك في كافة مجالات الحياة، فهناك معادلات أنتجَها العقلُ البشري لتتوافق مع حاجته لتحقيق أهدافه. ويبدو أنَّه ليس كلُّ المعادلات تتوافق مع الضمير الإنساني والمنطق السليم، لأنَّ التوحُّشَ يصبحُ السمة الغالبة في تلك المعادلات من تكتيكات وإستراتيجيات، والأخطر عندما تمّس تلك المعادلاتُ الكرامةَ الإنسانية وحقَّ الإنسانِ في الحياة الكريمة، وحقّه في الحرية، وفي التعبيرعن رأيه وأفكاره ومشاعره.
وتبقى معادلةُ تحقيق الحياة الكريمة وتحقيق الغاية من الوجود البشري مختلفة تماما، لأنها معادلة قائمة على مفاهيم السماء وقيمه، وغايتها نيل الأَجر السماوي والذي لا يساويه أيُّ أجرٍ بشري أو أرضيٍ مهما غلا ثمنه أو قيمته. فحياتنا ليست أكلا وشربا، بل حياتنا صمودا وتحديا لكل ما يعترضَ أسسَ الحياة الكريمة والكرامة الإنسانية في عالمٍ أصبحَ لا يقيم وزناً لمعانيها أو يمتلك معايير مزوجة، أو مواقفه تشكّل إنحيازاً فاضحاً، فلا يعنيه معالجة جوهر الصراعات، ولا تعنيه صرخات الأطفال وآهات الأمهات وأنين المدنيين الذين يصبحون ضحايا الإقتتال والإحتراب وتحقيق نشوة النصر على حساب كرامات الناس وحقهم في الحياة كما ينص على ذلك القانون الدولي الإنساني.
لذلك تختلف المعادلة كلياً، فتكون "الطوبى" للإنسان الحّر الذي يتألم من أجل تحقيق البّر، ويحتمل التعيير والإهانة، وحتى الإضطهاد في سبيله، فهذا نهج الأنبياء والرسل.
وتلك الطوبى هي من نصيب من يختار طوعاً أن يجوع وأن يعطش من أجل تحقيق البّر، أي من أجل تحقيق عيش الشعوب بالكرامة الإنسانية، لأنه في ذلك يكون شبع نفسه وإرتوائها الحقيقيين.
وتلك الطوبى تكون لمن يسعى في طريق تحقيق السلام رغم ما يواجهه من مقاومة ومعارضة شديدة لأنَّ السلامَ قد لا يكون في صالح الآخرين ومصالحهم، ولكنَّ الساعي إلى السلام فالطوبى تكون من نصيبه، لأنه يُدعى من أبناء الله المحبوبين والمكرمين.
وتلك الطوبى تتطال من يتعرض للحزن والأسى من جراء مواقفه الإنسانية المشرفّة، وإمتثاله لقول الحقيقة ونقلها، ومناصرة العدالة، فلن تتركه العزّة الإلهية دون أن يمتلأ قلبه عزاء وبلسما.
وتلك الطوبى تكون من نصيب من يتواضع ويترفّع عن متاع الدنيا، وينضم إلى صوت الجماهير الساعية إلى تحقيق حريتها وعيشها بكرامة. فأمثال هؤلاء وإن خسروا كل شيء فسوف يرثون الأرض الجديدة والسماء الجديدة.
وتلك الطوبى، وفوق كل شيء، هي لأصحاب القلوب النقية. وأين نجد اليوم تلك القلوب؟ فالقلوب اليوم تخلو من النقاء والصفاء لأن الإنانية والطمع والكبرياء والإستعلاء والغطرسة قد أعمتها، ففقدت طهارتها وخسرت نقاوتها، وبالتالي فمهما حققت من نجاحات فلن تنجح في رؤية وجه الله تعالى، لأنه فقط نقيُ القلب هو من يطّوب بمعاينة وجه الله تعالى.
نستخلص أنَّ معادلةَ الحياةِ الكريمة مضمّخة بالآلام والتضحيات والجراحات لسعيّها الجاد من أجل تحقيق السلام المنشود مهما عَلَتْ كلفته، ولكنَّها تبقى المعادلة الوحيدة في طريق تحقيق قيامة الشعوب المقهورة وتحقيق حريتها وتقرير مصيرها.