تواجه الاقتصادات الناشئة ضغوطات واسعة، بما في ذلك أزمة "شح العملة الأجنبية" وتراجع قيمة العملات المحلية، والعوامل المرتبطة بكلفة خدمة الدين، جنباً إلى جنب وارتدادات الأزمات الإقليمية والعالمية المختلفة، الأمر الذي تزدهر معه دعوات واسعة للاعتماد على المنتجات والبدائل المحلية؛ للتخفيف من كلفة الاستيراد في وقت تعصف فيه الضغوطات التضخمية بميزانية المواطنين.
ورغم أن تلك الدعوات لم تجد صدى كافياً لترجمتها بشكل أوسع في عديد من الأسواق في مناسبات مختلفة، إلا أن دوافع أخرى قد عادت للواجهة من جديد أسهمت في انتعاش تلك الدعوات وبما ساعد على زيادة الاتجاه للبدائل المحلية بشكل أو بآخر.
من بين تلك الدوافع حملات المقاطعة الأخيرة التي روج إليها الكثيرون في مجتمعات عربية، كردة فعل على التوترات الحالية في غزة، وضمن محاولات شعبية للتضامن مع الفلسطينيين من خلال التخلي عن منتجات الشركات الأجنبية، في خطٍ متوازٍ مع اتهامات للدول الكبرى والمجتمع الدولي بعدم الاضطلاع بدورهم في التهدئة.
أعطت تلك الحملات دفعة لـ "البدائل المحلية"، حتى أن عديداً من النشطاء عبر ردهات مواقع التواصل الاجتماعي صاروا يتداولون قوائم بالمنتجات المحلية دعماً وترويجاً لها، في مقابل منتجات تندرج ضمن قائمة "المقاطعة".
اللافت في هذا السياق أن بعض الشركات المحلية نجحت في الأيام الأخيرة في استغلال ذلك الزخم، وأعلنت عن تطوير أعمالها وتوسعتها بشكل مفاجئ وسريع، للتكيف مع زيادة الطلب، كما شرعت في ضخ كميات إضافية، وهي شركات مختلفة ما بين شركات عاملة في قطاعي الأغذية والمشروبات وغير ذلك من القطاعات.
كما هو الحال بشكل واضح في مصر، حيث أعلنت إحدى الشركات المحلية القديمة للمشروبات الغازية عن توسعة أعمالها وإنتاجها، وغيرها من الشركات، وسط حفاوة و"دعاية مجانية" على وقع تشجيع المقاطعة من جانب النشطاء والمهتمين عبر وسائل التواصل وحتى وسائل إعلام محلية.
لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق، هو ما إن كانت هذه الانتعاشة تمثل اتجاهاً يُمكن أن يبنى عليه في المستقبل لتعزيز نشاط تلك الشركات، أم مرحلة مؤقتة مرتبطة بظروف التوترات في غزة وسرعان ما قد تنتهي وتعود الأمور إلى طبيعتها بعد هدوء الأوضاع كما العادة؟
تزايد الحملات الداعمة لشراء المنتجات المحلية كبديل لتلك المنتجات الأجنبية، يثير جدلاً بشأن إمكانية استغلال تلك الحملات وجعلها توجهاً مستمراً لدعم الإنتاج المحلي في الدول وفرصة للتوفير من استهلاك العملات الأجنبية لاستيراد تلك السلع.
الأجنبية لشراء تلك المنتجات.
وأكد أن استمرار هذا الاتجاه وتحقيق تأثيرات إيجابية مستدامة سيتطلب بعض الخطوات، منها:
أن يكون هناك دعم مناسب من الحكومات والقطاع الخاص.
توفير منتجات محلية عالية الجودة وبأسعار منافسة.
توعية المستهلكين حول أهمية دعم المنتجات المحلية وفوائدها للاقتصاد المحلي والمجتمع.
تقديرات الخسائر
وتشير تقديرات –غير رسمية- إلى أن الخسائر التي قد تسببها حملات المقاطعة للشركات الأجنبية المستهدفة قد تصل إلى تريليوني دولار، وهو ما رصده المفكر الاقتصادي، أبو بكر الديب، في تقرير له أخيراً شاركه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، وذلك بالنظر إلى حجم الواردات التي تحصل عليها الدول العربية من تلك الشركات بمختلف القطاعات المستهدفة ضمن حملات المقاطعة.
لكن على الجانب الآخر، يعتقد آخرون بأن تلك الدعوات ربما تؤثر من ناحية أخرى على العمالة الوطنية العاملة في "الفرانشايز" أو الشركات الأجنبية العاملة في الدول والتي تعتمد على الأيدي العاملة المحلية، وبما قد يؤتي بنتائج عكسية تماماً على الجانب الاقتصادي، وإن حقق نتائج أخرى على مستوى التعاطف والتضامن الشعبي.
ومن جانبه، توقع مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، الدكتور بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، استمرار انتعاش السلع المحلية، والإقبال عليها لما بعد الأحداث الجارية في غزة، مؤكداً أن ذلك يأتي في صالح الاقتصادات القومية لكثير من البلدان في المنطقة، خاصة وأن لديها سوقاً استهلاكية كبيرة..وأضاف: إن استهلاك وشراء المنتجات الأجنبية يعزز من تفاقم عديد من المشكلات مثل:
انهيار العملة الوطنية، وشح في العملات الأجنبية وارتفاعها.
زيادة معدلات البطالة مع تأثر المصانع المحلية.
تباطؤ في معدل النمو الاقتصادي.
وأوضح مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، أنه في حالة دعم المنتجات المحلية وشرائها بشكل مستمر، سيساعد ذلك على تشغيل الشركات المحلية ذات رأس المال المحلي الخالص، كما يسهم في دعم الاقتصاد القومي من خلال فتح وتشغيل المصانع المحلية والتقليل من معدل البطالة.
وأكد أن الاستمرار في استخدام المنتجات المحلية، سيقلل من حجم الاستيراد وبالتالي سيساعد في التقليل من طلب العملات الأجنبية