إنَّ التحدي الذي تضعهُ أمامَنا أديانُنا السماوية هو ضرورة التحلِّي بأقوى سلاحٍ في الكون وهو سلاح الكلمة، والذي يفوق كلَّ الأسلحة الفتاكة التي أنتجتها البشرية عبر تاريخها من أسلحة تقليدية وغير تقليدية وأسلحة ذكية وأخرى بيولوجية وجرثومية وكيماوية، وربما أنواعأ أخرى لم تخطر على البال بعد.
وسلاحُ الكلمةِ هذا يتحصّنُ في قول الحقيقة والشهادة لكلمة الحّق والمناداة بها مهمَا كان الثمن غالياً، فالإنسان يؤخذ بمواقِفِهِ لا بتصريحاته الجوفاء، فقوةُ الكلمةِ الصادقة تتفوّق على أعتى أنواعَ الأسلحة لأنها اتشحت بالحق وناصرت الحقيقة ولم تَبقى صامته متخاذلة، بل جريئةً في التمسك بها وإعلاء صوتها. والجدير بالذكر أنّ الإنسانَ يمتلكُ بداخلة مثلَ هذه القوة الكامنة، والتي تجد من داخل الإنسان نفسه قوة معاكسة تقاومها، في مسعىً ليبقى الإنسان عبداً لأهوائه وأنانيته ومكاسبه الشخصية، وهذه القوة أيضاً تجد من يقاومها من العالم الخارجي، الذي يخشى أن تُكشفَ أعمالُه وتُفضَح نواياه وتتعرَّي مخططاته.
فالكلمةُ سلاحٌ أقوى من كلِّ الأسلحة، ولذلك فالكلمةُ الحرّة تُحارَب وتُقمع، ولا يُسمح لها بأن تقال لأنَّها كلمةُ مؤثِّرة في قلوب الضمائر الحيّة، وقادرةٌ على تحقيق التغيير الحقيقي والجوهري. فعالمُنا لم يخلو بعد من المشاعر الإنسانية النبيلة رغم تعدد مشاربه ومعتقداته ولغاته وثقافته وألوانه، فلم نُخلق لنكون وحوشاً بشرية، ولم نُخلق للحروب والويلات، ولم نُخلق لنكون عبيداً بل بشراً أحراراً نتحلى بالروح الإنسانية التي عندما تشعرُ بالأم تعرفَ أنها موجودة، ولكنَ الإنسان الذي يشعر بآلام الآخرين فتعرفَ أنه يتحلى بداخله بالروح الإنسانية.
وما يجتاجه أهلنا في غزّة اليوم قبل كل شيء هو قوةُ كلمةِ جميع أصحاب الضمائر الحية والقلوب الإنسانية بأنْ ترفعَ صوتَها ضد ما يُركتب ضد أهلنا في غزة من عقاب جماعي وحصار خانق وحرب إبادة واستهداف المدنيين جلّهم من النساء والأطفال. فلا شيء يمكن أن يبرر إستهداف المدنيين، فهذه جريمة حرب تخالفُ الأعرافَ الدولية والقانون الدولي الإنسانية ومواثيق جنيف ونظام روما الأساسي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة الرابعة والتي تنص بأنّ لك إنسان الحق في الحياة، وفي الحرية وفي الحماية.
إن التحدي الذي يقفُ أمامَهُ عالمنا اليوم هو، هل يحترم إنسانيةَ الإنسان؟ هل يمتثلُ للقوانين الدولية الإنسانية التي تُحرِّم استهداف المدنيين والعقاب الجماعي واستهداف بيوت العبادة والمستشفيات والمدارس والبنية التحتية المدنية ومنظمات الإغاثة الدولية والإعلاميين؟ لا نريد مع التقدم والتطور الذي وصلت إليه التكنلوجيا الحديثة أن ننحدرَ بإنسانيتنا، فيفقدَ الإنسانُ وقتها قيمته ورسالته في الحياة. وإن كان لأجل خروف ضال واحد يسعى الراعي ليبحث عنه في كل الأماكن الخطرة والوعرة ليعيده إلى حظيرته، فما بالكم بالإنسان، فمن منه أغلى بعين الله سبحانه وتعالى، وقد خلقه لينعم بالكرامة الإنسانية وبالعدالة وبالمساواة وبالحقوق المتساوية؟ والإنسان هو الإنسان، كائناً من كان، ومن أي دين كان، ومن أي عرق كان، ومن أي لون كان.
فإما أن نعيش لأجل إعلان صوت كلمة الحق أو أننا لا نستحق الحياة. قال المطران ديسموند دوتو " إن كنت محايداً في حالات الظلم فقد أخترت أن تكون بجانب الظالم"، وقال مارتن لوثر كينغ " إنَّ وجودَّ الظلمِ في أي مكان هو تحَّدٍ للعدالة في كل مكان"، وقال أيضاً " في النهاية لن نتذكرَ كلماتِ أعدائِنا ولكنْ صمتَ أصدقائِنا". لذلك، هو واجب يقع على عاتق جميع الناس وعلى كل الشعوب والأمم والألسن أن يرفعوا صوتهم عالياً ويقولوا " أوقفوا الحرب على غزة"، " أنقذوا شعب غزة المنكوب"، قدموا الحماية للمدنيين"، وفوق كل ذلك قولوا كلمة حق في أصل المشكلة " لا للإحتلال، ونعم لمسيرة سياسية جادة وفورية تُفضي إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها".
كلمة الحق لن تسقط أبداً، ولو كانت مغمّسةً بالدم والجراح والآلام، فقوة كلمة الحق ستنتصر!