تبرز أحيانا الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية في الأردن، لأن "غرب نهر الأردن لا يتسع الا لإسرائيل" !!
لا يدرك راسمو الخرائط ومتخيلو المشاريع، ان الموضوع بالنسبة للفلسطيني ليس موضوع سلطة، ولا حتى دولة، الموضوع بالنسبة للفلسطيني موضوع وطن.
لن يفهم اليهود لماذا يقدّم الفلسطيني التضحيات الهائلة، بسخاءٍ مفرط، منذ ما قبل وعد بلفور، وحتى ما بعد طوفان الأقصى، بلا تعب او توقف.
لن يفهم اليهود معادلة ان المستعمر يستطيع أحياناً اقتلاع المواطن من قلب وطنه، لكنه لا يستطيع اقتلاع الوطن من قلب المواطن.
لن يستطيع اليهودي ان يفهم بنية العربي الفلسطيني الأخلاقية والنفسية والدينية والوطنية والقومية.
ولن يفهم ان في حياة الفلسطيني محركين وانتمائين خارقين: فهو غزاوي فلسطيني، وخليلي فلسطيني، وجنيني فلسطيني، وسبعاوي فلسطيني، ويافاوي فلسطيني، ولداوي فلسطيني، ونابلسي فلسطيني، ومقدسي فلسطيني، وعكاوي فلسطيني، وعجوري فلسطيني، الخ.
هذه الثنائية الوطنية ليست موجودة لدى اليهود. اليهودية ديانة، واليهود العلمانيون والاشتراكيون والليبراليون والمدنيون، أقل ارتباطاً بالرابط الأوحد الذي يربط اليهود،
ولذلك اصطنعت الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية والاحزاب اليمينية اليهودية المتشددة، مسألةً الخطر والأمن، مستحضرة على الدوام، العداء الكامن الدفين ضد اليهود لدى كل شعوب الارض.
لقد بالغت الأطرافُ اليهودية "بالشحدة" على الهولوكست، مما مكّنها من ممارسة أكثر من هولوكست ضد الفلسطينيين العرب والمصريين والأردنيين والسوريين واللبنانيين، وآخرها هولوكوست قطاع غزة.
هذا أقصى ما يمكن ان يصل اليه عقل وتفكير اليهود، الذين ما يزالون يجهلون البنية الفلسطينية المركبة من عدد هائل من المكونات الراسخة التي تحثه على المقاومة والتضحية والصمود في الأنفاق والمعتقلات.
سيظل المفكرون والساسة اليهود والغربيون المنحازون، يبحثون عن حلول غير عادلة وغير قابلة للحياة والتطبيق والاستمرار، حلولٍ تنكر حقوق الشعب العربي الفلسطيني، وتفتقر كلياً إلى الحق والعدل، وتنتهك القانون الدولي، حلولٍ يتم في ظلالها ارتكاب المزيد من المجازر.
ستظل حلولهم تشبه دق الماء في الإناء، لأن طوفاناً هائلاً آخر وآخر سيظل يتكوّن ويتخلّق منذ اللحظة، حتى نصل إلى الطوفان الأخير، طوفان كنس الاحتلال الإسرائيلي.