يعلم جيدا أبناء جيلي ومن عاصر المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، أن العلاقة التي تربطنا بالهاشميين ليست مجرد علاقة بين السلطة والشعب في إطار منظومة الحقوق والواجبات التي تحكم طبيعة العلاقات بين الحاكم والمحكوم في معظم الأنظمة السياسية، وإنما هي علاقة ذات خصوصية فريدة قائمة على شرعية ولدت معنا واختلطت بالدم الواصل الى القلب لتزرع في النفس بيعة أبدية وانتماء حقيقي عجز فقهاء السياسة عن تفسير كنهه ومضمونه كونه لا يتحدد بالمواطنة وتجلياتها فحسب، وانما بقدسية روحانية شكل الراحل الكبير الملك الحسين بن طلال تجلياتها في أرواح جميع من ولد في عهده.
في حضرة سمو الأمير الحسن بن طلال عندما زارنا قبل أيام في جامعة الحسين بن طلال هاجت بنا الذكرى واعادت الى قلوبنا ذكرى الحسين بن طلال، في تواضعه وحكمته، ودفء القرب الذي احاط به مستقبليه.
قرأت كتاب الراحل الكبير الحسين بن طلال" مهنتي كملك" وعشت في جمال خصوصية الخروج عن المألوف لملك، وشاهدتها واقعا أثناء زيارة سمو الأمير الحسن وهو يتجاوز البروتوكول الذي رسمه رجال التشريفات في سيره عندما شاهد الطلبة من خلف الباب الزجاجي ينتظرون قدومه لتحيته، فتوجه اليهم وجلس معهم على عتبات المبنى، يحيطهم بضحكاته ويسأل عنهم ويخبرهم عن عائلاتهم وعشائرهم.
هذه الحميمية في العلاقة بين الهاشميين وأبناء شعبهم جعلت من العلاقة التي تحكم الأردنيين مع قيادتهم علاقة فريدة في النظم السياسية المختلفة، وهذا يفسر التوافق التام في المواقف السياسية تجاه القضايا التي تواجه وطننا وأمتنا، وما نشاهده من توافق في الموقف الرسمي لجلالة سيدنا الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني حفظهما الله مع الموقف الشعبي وما تحدث به سمو الأمير الحسن بن طلال، تجاه احداث غزة والعدوان الصهيوني على ابناء شعبنا الفلسطيني هو تعبير حقيقي للتوافق الفريد الذي تحكمه علاقة الهاشميين بأبناء وطنهم.
في جامعة الحسين بن طلال تحدث الأخ الأصغر عن أخيه الكبير وكنت قريبا منه اشاهد خفايا وجهه وتعابيره فشعرت بالأنفة والكبرياء عندما رأيت الوفاء والفخر كقناديل عنب يسطرها سمو الأمير الحسن لاخيه الراحل الحسين بن طلال، ولشقيقته الأميرة عائشة بنت الحسين عندما تصادف حديث أحد الطلبة المتحدثين انه ينتمي لكلية الأميرة عائشة بنت الحسين للعلوم الصحية، وافتخار سموه ان عائشة شقيقته التي تتابع دوما العلوم الطبية والصحية.
وقتها فقط استطعت فهم خفايا قيام ولي العهد سمو أميرنا الحسين بن عبدالله الثاني بتجاوز البروتوكولات في مناسبة سابقة شاهدها جميع الأردنيين وقام بتقديم عمه الأكبر بالجلوس مكانه.
فالأخلاق التي تربى عليها الهاشميين في مدرسة الحسين بن طلال هي ما يسير عليه الهاشميين جيلا بعد جيل، وما سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني سوى استمرارا لهذا الخلق الهاشمي الرفيع.
في حضرة سمو الأمير الحسن بن طلال كنت مترددا وقلقا من وجودي مع سموه لاجراء مقابلة اذاعية، وكنت أتساءل وانا اعد للحلقة كيف لي أن أحيط بالحكمة والعلم الذي يميز سموه، وخاصة أنتي لست متمرسا كفاية لاجراء مقابلة بهذه الأهمية، وارتبكت في أول عبارة تقديمية لكنني سرعان ما استعدت توازني عندما شعرت ان الذي يجلس مقابلي فرد من أفراد عائلتي، ولم انتبه لنفسي من شدة انسجامي بما يتفوه به سموه من حكمة، متجاهلا بعمد حركات مسؤولة المكتب الاعلامي لسموه التي تنظر لساعتها وكأنها تحسب علي متعتي وألقي بهذا الصفاء الذي جمعني وسموه في غرفة مغلقة،
اذ بصوت مهندس الصوت يخبرني ان الوقت قد انتهى بناء على طلب المكتب الاعلامي لسموه، عندها تمنيت ان يختفي المرافقين وتختفي البروتوكولات لأتمكن من اثراء فكري وروحي والمستمعين من أبناء محافظة معان بهذه الدرر الهاشمية.
في حضرة سمو الأمير الحسن بن طلال يقظة لا يمتلكها سوى العظماء من القادة فسرعان ما ينسى القادة وجوه من يقابلونهم لتكرار المشهد لديهم، لكنني تفاجأت بعد عدة فعاليات بطلب سموه أن اجلس بقربه كونني رفيقه كما اطلق علي في المقابلة، وتساءل عن اشخاص بذواتهم شكلوا في ذاكرته معنى للتفوق والتميز من أبناء جامعة الحسين بن طلال ومحافظة معان.
في حضرة سمو الأمير الحسن بن طلال وحي من قبس النبوة في التواضع وخفض الجناح والمودة في القربى جعلت معظم من سلم على سموه ان يبادر ويقبله على رأسه وهي لا تكون في عرفنا العشائري الا للكبار من الآباء والأجداد.
يوم في جامعة الحسين بن طلال حاضرة محافظة معان وعنوان تميزها، حللنا فيه ضيوفا على سمو الأمير الحسن بن طلال، وكأنني بالشاعر العباسي حسين بن حمدان عندما انشد قائلا" يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا...نحن الضيوف وأنت رب المنزل" وكنا جميعا أسرة جامعة الحسين بن طلال نتمنى ان يطول هذا اليوم وتتأخر ساعاته لنكون بالقرب من هذا البهاء الذي يحيط بقامة هاشمية من آل البيت الأطهار.
في حضرة سمو الأمير الحسن بن طلال ابتهلنا الى الله ان يحفظ حادي ركبنا وقائد مسيرتنا جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، وسمو حكيمنا وأميرنا الحسن بن طلال، وأبناء الشعب الأردني الأوفياء لبيعة بايعنا فيها الهاشميين ان نكون لبعضنا كالبنيان المرصوص، وأن نسير معا بشموخ ورفعة فخورين بالمنجز الحضاري الأردني الذي وعد به الراحل الكبير الحسين بن طلال ابناء شعبه، ويكفينا اعتزازا وفخرا بانه لم يتركنا باحثين عن حضن آمن خارج رحم وطننا بل اجزل لنا من عطاءه وتضحيته وأوصى بنا قائدا مهابا جلالة سيدنا الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه يسير على نهجه سير النبلاء بكل إباء وتفان واخلاص لتكملة مسيرة النهضة المباركة.