منذ السابع من أكتوبر2023 وانا واحدة من بين عشرات الملايين الذين يتابعون بدقة نشرات الأخبار حول ما يدور في غزة ومناطق متعددة من فلسطين والمنشورات والصور ومقاطع الفيديو المتسارعة للأحداث و التي توثق الجرائم الوحشية التي تنتهك بحق الشعب الفلسطيني من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكل ما تابعت الأحداث أكثر وصور الشهداء وأشلاء الأطفال والمدنيين اللذين لا حول لهم ولا قوة وذنبهم أنهم يقطنون هنا في غزة وفلسطين و ينكسر قلبي من هول ما أرى ولا أملك سوى الصلاة والدعاء أن يطرح الله السلام على أرض الأنبياء والسلام ، فلا العقل ولا المنطق ولا الانسانية يمكن أن يفسر حرمان شعب من الماء والغذاء والدواء والمسكن ولا كهرباء ولا وقود وتهجيرهم قسرا الى بقاع الدنيا،والعالم يقف صامتا متفرجا ولا يحرك ساكنا، الحكومات صامته والشعوب ثائرة لأن الكيل بمكيالين افقد الشعوب صوابها .
ونحن نرصد ونتابع المعاناة التي يتعرض لها من بقي حيا في غزة بعد انقطاع الماء والكهرباء والتجويع والمعاناة النفسية من هول ما حدث ويحدث لا نشعر فقط بالألم والتعاطف وعدم الحيلة ، وإنما نشعر بالذنب لأننا نعيش بوضع أفضل منهم ولدينا جميع ما هم محرمون منه ، و تأخذنا الأفكار والأحاسيس والمشاعر الى هنا وهناك مما تجعل حياتنا اليومية في حالة عدم استقرار وفوضى لا نجد لها حلا بل تصبح ممارسة الحياة الطبيعية أمرا صعبا وهنا يأتي سؤالا بديهيا :
كيف لي أن أساعدهم وأوفر لهم أبسط الحقوق وسبل العيش؟؟؟؟
ويصاحب السؤال فيض من المشاعر السلبية وعدم الحيلة والذنب وعدم الراحة لأنني في وضع نقيض لوضعهم ولا أستطيع أن أقدم شيئا وبنفس الوقت لا أستطيع أن أستبدل هذه المشاعر السلبية بأخرى ايجابية ، وهذا يطلق عليه علميا
" متلازمة عقدة ذنب الناجي" والتي توصف بأنها مجموعة من الأعراض النفسية والجسدية والاضطراب العاطفي، ونظرة ذاتية سلبية، وتدني احترام الذات، وطرح التساؤلات الوجودية، والصداع والأرق وقلة النوم والإرهاق، والتفكير ولوم النفس ....الى العديد من المشاعر السلبية وكلما طالت مدة الحرب والنزاع كبرت هذ العقدة وهي مرتبطة الى حد كبير بالمبادئ التي يتبناها الشخص وأن الواقع عكس ما يتبناه من مبادئ وعدم تحقيقها يتولد الشعور بالذنب والعجز الذي يزداد مع مرور الوقت مما يشعرنا بالإحباط والاكتئاب وكلما طالت مدة الحرب ومع ازدياد عدد الضحايا والدمار وعدم تحقيق العدالة والأمن والسلام كبرت هذه العقدة
ولكن متابعة الأحداث بنظرة إيجابية مثل أن المقاومة للدفاع عن الأرض حق وواجب ولا بد من النصر مهما طال الزمن والنصر المؤكد لصاحب الحق وعودة فلسطين لأهلها.
ولكن النظرة السلبية في متابعة الأحداث لحظة بلحظة وقضاء أكبر وقت ممكن في متابعة الأخبار وحصر عدد الشهداء والجرحى والنازحين، فتتأثر صحتهم النفسية وعلاقاتهم مع عائلاتهم وزملاؤهم في العمل ويتعطل سيرالحياة اليومية وما يجري يؤثر على الجميع بشكل كبير ويولد مشاعر الذنب التي قد تدفعهم للدخول في "عقدة ذنب الناجي" فيميلون الى الانعزالية ، وهذا سلوك يعقد الوضع فتصبح المعاناة ليست فقط عند أهل غزة ولكن عند الجميع
ومن أشكال عقدة ذنب الناجي ما يسمى بـ"الذنب التضامني"، وهو ما نشعر به اتجاه الأهل في غزة حاليا
هو شعور بالذنب ينشأ عندما يكون الضحايا من فئة من الناس لها هوية جماعية مشتركة ( كالفلسطينيين) ويشعر الناجي أنه من واجبه أن يكون هناك وحدة المصير مع جماعته وان يتقاسم مصير هذه الجماعة التي ينتمي إليها مهما كان .
وبعيدا عن مجريات الأحداث لا بد من التوجه للتأثير النفسي الكارثي للحروب وما تسببه من حالات من الاكتئاب الحاد ونوبات الهلع واضطرابات القلق العام ......، وهذا لا يستطيع فهمه كالذي يعيش الحرب وفي غزة تحديدا من المعاناة السابقة " لطوفان الأقصى " تعتبر أكثر منطقة لديها خدمات نفسية جراء النزاعات السابقة ينشأ الأطفال في غزة على أن الموت شهادة وأن إسرائيل عدوهم وهدمت بيوتهم مما يضاعف حجم الغضب لدبهم ، ولذلك يتأثرون بشكل مختلف، كما أن تكرار الهجمات على القطاع وارتقاء الشهداء في القصف المتكرر يبني لهم دروعا نفسية تجعل وقع أخبار الموت على نفوسهم مختلفة عن وقعه على من يعيشون في بيئات آمنة، ولذلك تختلف مشاعر أهل غزة عن مشاعر أي شخص آخر يشاهد الحرب من الخارج".
نصائح لتجاوز التعرض العنيف لأخبار "غزة "
في البداية لابد أن يكون لدى الناس الوعى الأكيد بأن أهل غزة لديهم عقيدة وإيمان قوي ولديهم اليقين التام أن للشهيد أجر عظيم عند الله، وأنهم أصحاب حق والدفاع عنه واجب , وهذا ما يهون هذه االحالة الكارثية التي يعيشونها الأن وأن الطفل منهم هو مدرسة في الشجاعة والرجولة ويؤمن انه مشروع شهادة ، ولكن للخروج من الأوضاع النفسية المتدنية لا بد من :
1- متابعة الأحداث من مصادر موثوق بها
2- أن ننوع في المشاهدات من فن ورياضة وبرامج اجتماعية وعدم تداول كل يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي إذ أن كل هذا يُحدث "فوضى" وتدني في الأوضاع النفسية
3- التنوع في الحديث مع الأصدقاء وزملاء العمل ولا يكن مقتصرا فقط عن غزة.
4- عدم المكوث في المنزل طويلا والخروج مع العائلة أو الأصدقاء حتى نبتعد عن التداول الحثيث للأخبار .
5- الابتعاد ما أمكن عن التعرض بشكل مستمر لمشاهدة ورؤية المناظر المؤسفة للحرب، بمعنى أن تكون هناك متابعة للنشرات الإخبارية لمعرفة الأخبار فقط وما حدث خلال اليوم،
6- من الظروري ترك وقت لنشاطات أخرى غير أخبار الحرب مثل المسلسلات والاستماع للموسيقى وغيرها وممارسة هوايات محببة لدى الشخص للخروج من حالة تدني النفسية هذه.
7- التعامل بعقلانية مع الأحداث وبصورة هادئة والعمل على ممارسة الحياة بشكل طبيعي، إضافة إلى عدم التعرض للمشاهد المؤلمة من إصابات وقتلى وأشلاء ممزقة.
8- كلما يتناسى الفرد الأحداث ومارس حياته بصورة طبيعية تتحسن حالته النفسية، والعكس إذا ركز مع الأحداث فإن الحالة النفسية تزداد سوء
9- تقديم أي مساعدة ممكنة للضحايا أو أي شخص آخر محتاج.
10- التطوع في حملات المؤسسات الخيرية لتقديم المساعدات لضحايا غزة،
11- يستطيع الفرد التبرع بمواد عينية أو نقدية ضمن امكانياته مهما كانت بسيطة وارسالها من خلال جهات موثوقة.
12- نشر الوعي عن قضيتهم بما لديك من إمكانيات لذلك، أو حتى الصلاة و الدعاء لهم، ولا يشترط أن تكون المساعدة كبيرة ومؤثرة في تغيير الواقع، يكفي أن تقدم ما في قدرتك مهما كان بسيطا .