ليس المكان و لا الزمان مواتيان لاسداء التهاني بالعام الجديد ، فالشعب الفلسطيني في حالة حزن و فجع و ألم ، مقبرة مفتوحة ، بيت عزاء كبير، الكل يعزي الكل ، خاصة الأبرياء و بالتحديد الأطفال سواء الذين ذهبوا أو الذين ظلوا ، جرحى و مصابين و مقطعي الأطراف و الاوصال الاسرية ، الجوعى و العطشى و المقرورين بدون ملابس و بدون مأوى يقيهم قر البرد ، عدا عن ان الوحشية الابادية ما زالت شهيتها مفتوحة و نواجذها مسنونة تريد المزيد رغم مرور كل هذا الوقت ، و رغم حلول العام الجديد.
الامر للأسف الشديد ، لا يقتصر على الشعب الفلسطيني ، بل بالضرورة يمتد الى جماهير الامة العربية والإسلامية من محيطهم الى خليجهم ، فقد اكتشفوا كم هم عاجزون عن نصرة اخوتهم ، عجزوا عن طرد سفير ، عجزوا عن ادخال خبز او ماء او وقود او دواء ، عجزوا حتى ان يستمروا في التظاهر أيام الجمعة ، هذا الشعور بالعجز ، كفيل بأن يحط من قيمتهم كشعوب او حتى كآدميين ، فكيف ستستقيم احتفالاتهم بالعام الجديد . قد تبدو تلفزيونات القصر العربي شيئا مغايرا بحيث نرى احتفالات و افراح و حفلات و مطربين ورقاصين و موائد في معظم عواصم العرب ، لكن كل هذا لن يلغي و لن يطمس شعور الناس بالدونية و العجز .
بالعيون الجديدة للسنة الجديدة ، رأينا كيف ان فصيلا سياسيا واحدا استطاع ان ينفذ ما اسماه أبو عبيدة "ضربة القرن" في يوم واحد من بضعة ساعات ، ثم يصمد في "حرب" ثلاثة اشهر ، و يوقع كل هذه الخسائر في عديد المحتل و عتاده . صدقا و علما ، اذا اعتقدت "إسرائيل" انها بابادة المقاومة و سلاحها ، تستطيع ان تعيش بسلام و بدون طوافانات أخرى ، فهي مخطئة ، ذلك ليس لأن حماس فكرة او أيديولوجية فحسب ، بل لأن الفكرة و الأيديولوجية هي المقاومة ، مقاومة المحتل غير المقتصرة على حماس و الجهاد و فتح و الشعبية و حزب الله اللبناني و الحشد العراقي و الحوثي اليمني و البعث السوري ، بل و احرار العالم في كل مكان ، و بعيون العام الجديد ، نستطيع ان نرى ارهاصات ذلك في الأردن و مصر و السعودية و الخليج - تغطية الجزيرة القطرية لا تقل شأنا ، و كأنها طوفان من نوع آخر - ، فنحن كلنا إخوة بلسان واحد و دين واحد و هم واحد و تطلعات مشروعة واحدة .
بالعين الجديدة للعام الجديد ، قد يستطيع الاعمى سموترتش ، ان يرى الشعب الفلسطيني ، و اذا لم يكن هذا الشعب شعب ، فمن يا ترى هو الشعب ، كيف يهجم الناس على كل قصف ، يحاولون مد يد العون المجردة من كل أدوات او آلات لرفع الأنقاض وإخراج الجثث و الجرحى رغم معرفتهم ان لا مستشفيات و لا ادوية ، كيف حافظوا ان لا يظهر أي جزء من أجساد النساء الممزقة صونا لحرمتهن أمواتا و أحياء ، التواصل و التكامل و التناغم لفرق الإنقاذ و الدفاع المدني ، الصحفيين و المصورين ، الأطباء و الممرضين ، اشادات بالمقاومة و دعوات الى الله ان ينصرها ، و أخيرا كيف حرصت الأمهات على تلبيس اطفالهن ملابس جميلة كأنها ملابس العيد يقابلون بها الله.