على مدى عقود من الصراع العربي الاسرائيلي فان كرة الخوف والشك وعدم الثقة وحتى العجز احيانا هي في المرمى العربي ، ولعل هذه وغيرها من اسباب اكثر عمقا قد جعلت ما بيننا وبين معرفة حقيقة المجتمع الاسرائيلي حجابا بل وغشاوة على أعيننا لانشغالنا بانفسنا والصراع الداخلي البيني سواء بين الدول أو بين مكونات المجتمع العربي حتى الى مستوى مجتمع الدولة ذاتها .
ومن جهة أخرى فقد كانت المجتمعات العربية تتعرض لاختبارات عدة ، والنتيجة هي سقوط هذه المجتمعات في أغلبها وهي أسيرة أوهام أمام ما تواجه ، في الوقت الذي كنا نعتقد بعظمة المجتمع الاسرائيلي وتماسكه وقوته وأنه هو مصدر رعب لنا ، ولم يتعرض المجتمع الاسرائيلي لاختبارات حقيقية نتطلع من خلالها على النسيج الداخلي لهذا المجتمع المحاط بهالة عسكرية ضاربة جاهزة للاقتصاص الفوري وبلا هوادة من أي ما يمكن أن يمسها.
ولم يتعرض المجتمع الاسرائيلي لهزائم حقيقية سوى ما ذاقته اسرائيل من هزيمة منكرة في معركة الكرامة على يد الجيش الاردني، وما تبقى من عمليات اسرائيلية في مناطق مختلفة كانت فاشلة وليست بمفهوم الهزيمة وإن صورناها نحن كهزيمة .
ولكن أن تدخل اسرائيل بكل غرور الى غزة كمنطقة لا جيش فيها ولا طائرات او دبابات ومدفعية بل رجال مقاومة باسلحتهم التي تقل عن اسلحة كتيبة مشاة يواجهون جيشا من أول عشرة جيوش قوة في العالم، وله سجل من الانتصارات على دول مجتمعة بجيوشها وطائراتها وصواريخها الظافرة والقاهرة، وأن يخوض نوعا جديدا من المعارك قد فرضتها المقاومة وأصبحت هي التي تمسك بزمام المبادأة ، ومن ثم يدخل هذا الجيش العرمرم بحالة ارتباك يبحث عن نصر وحسم كما كان يعتقد انه سيكون سريعا ، ويجد نفسه يتخبط تحت ضربات رجال في ارضهم لا يتنيهم مطلقا حجم التدمير والقتل والمجازر والجرائم في محاولة لدفعهم للاستسلام ، ورغم آلته الاعلامية وحربه النفسية وقنابله الفتاكة وجدنا انفسنا أننا أمام معركة اسقطت مفهوم التفوق العسكري الذي هو اساس حماية اسرائيل وهو غلافها الامني والوجودي ، وانتقلت النتائج المخيبة الى داخل المجتمع الاسرائيلي .
كنا نتحدث بخجل وعدم ثقة بأن اسرائيل ستزول ، ولكن الان اصبح الصوت الاسرائيلي هو الاقوى في الحديث عن نفسه بأنه هو على طريق الزوال ، ويتحدثون منتقدين أداء جيشهم وضعف مؤسساتهم ، وتناقض تصريحاتهم ،
لقد تغيرت صورة اسرائيل وتهاوت كل عناصر قوتها ، وأصبح لدينا مادة خصبة لدراستها وفتح الملفات بكل شجاعة وبلا اي تردد لنخوض في هذا المجتمع الذي كنا نهابه ونتخوف منه ، لنراجع الاسباب لذلك والتي تكشفت وقامت المقاومة الفلسطينية بتعريتها واسقاط حتى آخر ورقة توت .
هذه الحقيقة نحن امام مجتمع اسرائيلي وجيش اسرائيلي لم يعد هناك ما نخشاه منه ، والآن هل نركز في دراساتنا وندواتنا ونبني منهجا علميا جديدا يتناول مرحلة بدء تهاوي هذا الكيان ؟ أم سنبقى نحلل ونتحدث عن صواريخ الياسين وبطولات المقاومة وغيرها ؟ نعم هذه شكلت البطولة العربية التي فرضت نفسها ،ورغم كل السياسات الي عزلت المجتمع الفلسطيني واعتقد العدو انه قد انفرد به ، تعرض لصدمة عنيفة بان الشعب العربي هو شعب مقاومة لا مهادنة ، وأن مرحلة السلام وسياساتها مضت لاعتقادنا الواهم أن هذا الكيان سيمنح ويعترف بالحقوق الفلسطينية وأبسطها الدولة ذات السيادة وعاصمتها القدس ، ولكن العدو الان أدرك خيبة توقعاته ويتجرع بيديه ما اقترفت يداه . والحقيقة الآن ان الخائف هو المجتمع الاسرائيلي ، وهو المرعوب الذي وإن تمكن جيشهم من الخروج من غزة بأي ثمن فإن الخوف وعدم الثقة والتشكيك قد تغلغل فيهم ، وعلينا أن ندرك هذا الذي حصل ونواصل البناء عليه لتبقى اسرائيل في حالة الخوف والرعب الدائم ، وأن المشاريع الصهيونية التي كانت ترعبنا لم تعد ذات قوة لتنفيذها ، وثبت للعدو أن العرب جميعا هم رجال مقاومة وأن كل دولة هي نفق أو شبكة أنفاق بانتظار السابع من اكتوبر من جديد .