في أحد الأيام سارت بي الطريق إلى زقاق ضيق في أحد شوارع محافظة الزرقاء، اختصرت فيه الوصول إلى شارع رئيسي إلى السوق، لمحت في طريقي فتاتان صغيرتان، ترتدي إحداهن ملابس رثة ومتسخة، بينما كانت الأخرى ترتدي ثياب عادية ونظيفة، لفت نظري المشهد عندما سمعت ذات الثياب الرثة تقول للأخرى : استلم العدة " تقصد الثياب الرثة " سأذهب إلى المطعم لتناول الطعام.
ما وصفته أعلاه مشهد شائع لأحد أشكال التسول، والذي أخذ ينتشر في أغلب الأماكن في محافظات المملكة، يأخذ صوراَ متنوعة وعديدة ، مثل: شخص على كرسي متحرك يجره شخصاَ آخر يتسولان في كل يوم بمنطقة، أو فتيان صغار يبيعون منتجات بسيطة، وعند الإقتراب منهم يبدأون بالتوسل والإلحاح في طلب المال، ومن هذه المشاهد أيضاَ انتشار كبار السن الذين يجلسون على الأدراج أو أبواب المحال التجارية وطلب المال من المارة، مما يقلل من احترام هؤلاء الأشخاص لذواتهم وفقدانهم للقيم الإنسانية، وتفضيل اللقمة السهلة ، وبالتالي من الممكن أن يتطور التسول إلى مهنة، ثم إلى الجنوح أو الوقوع في مشاكل أخرى مثل تعاطي المخدرات وغيرها.
وتنوعت وسائل التسول مؤخراَ بشكل لافت، إلى أن أصبح مهنة سهلة لكسب استعطاف الناس ودغدغة عواطفهم، حيث يعرض عليك بعضهم تقارير طبية تشعرك أنه بحاجة ماسة للدواء، وهناك من يوقفك لطلب مبلغ لدفع إيجار منزل بسبب تهديد المالك له بطرده من البيت ورميه في الشارع، أو سيدة تحمل طفلاَ صغيراَ وبحاجة إلى حليب لهذا الطفل، وتارة يأتيك شخص مقطوع لا يوجد معه مال لدفع أجرة مواصلات للعودة إلى بيته، حتى البيوت لم تسلم من الذين يقرعون أجراسها لطلب المال.
هنا في هذه المقالة، سوف أتطرق إلى وجه آخر للتسول ألا وهو التسول الإلكتروني، خاصة مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي واستغلالها في التأثير على المواطنين وخداعهم بكل الأساليب لطلب المال، لدرجة أنك ترى منشور لسيدة تطلب خبزأ ومؤونة لبيتها بسبب عدم وجود طعام لأولادها في البيت، وتقول : فقط أريد ثلاثة دنانير، وذلك لإيحاء الضحية بحاجتها الملحة، وتضع رقم هاتفها او رقم محفظة إلكترونية لتحويل الأموال إليها، حيث تشاهد نفس المنشور بأسماء متعددة، وحسابات وهمية تعد لتلك الغاية، وصدف أن تواصل أحد الأشخاص مع صاحبة الحاجة المفترضة، وعند ذهابه لبيتها للمساعدة وجد أنه نفس البيت البسيط الذي كرر زيارته للمساعدة ولكن مع تغير الشخصيات، حيث تم استئجار بيت لغاية استعطاف الناس واستغلالهم لجنى المال.
هنا لا بد أن نقف عند هذه الظاهرة التي أخذت بالتوسع والانتشار، فلا تكاد إشارة ضوئية تخلو من وجود أشخاص من كافة المراحل العمرية بالتسول من خلال بيع منتجات أو مسح زجاج السيارات عنوة والإلحاح في طلب المال من السائق، لذلك نتأمل من مؤسسات المجتمع المحلي بالتشارك مع الجهات الأمنية العمل على الحد من هذه الظاهرة التي باتت مشكلة تزعج المواطنين أثناء تنقلهم.
ومن الجدير بالذكر أن جمعية تمام الخير لتمكين المرأة قامت بإطلاق مبادرة " معاَ نكافح التسول" في محافظة الزرقاء ، وذلك للوقوف على أبعاد هذه الظاهرة، والعمل على إيجاد حلول مناسبة للحد منها، من خلال البرامج التوعوية، والتنسيق مع الجهات الحكومية والمحلية لمكافحة ظاهرة التسول، وإنفاذ القوانين الرادعة.