ذكر فضيلة أ.د/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء بمجمع البحوث الإسلامية يخطو خطوات وثابة، بالتعاون مع مركز الدراسات البردية والنقوش بكلية الآثار، وهذا يؤكد أن علوم الآثار والفلك ليست غريبة عن الأزهر، فمكتبة الأزهر زاخرة بالمخطوطات والمطبوعات المتخصصة في الفلك والآثار.
وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته بالمؤتمر الدولي الحادي عشر بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية وجامعة عين شمس، والذي جاء تحت عنوان" علوم الآثار والفلك في الحضارات الإنسانية"، أن من راجع التراجم التي وضعها الجبرتي في كتابه «عجائب الآثار» عرف أن الدراسة في الجامع الأزهر المعمور لم تقتصر على العلوم الشرعية واللغوية من فقه وتفسير وحديث ونحو وصرف وبلاغة فحسب، بل تجاوزتها إلى دراسة الفلك الذي كان يطلق عليه علم الهيئة.
وبين الدكتور الضويني أنه كان لبعض علماء الأزهر الشريف مؤلفات في دراسة الفلك، ومن هؤلاء الشيخ الدمنهوري الذي عرف بثقافته الواسعة التي شملت إلى جنب العلوم الشرعية الرياضيات والهندسة والفلك والطب، وأسهم بالتأليف في بعضها، وهذه العلوم وإن كانت تدرس على استحياء في ذلك الوقت، لكنها كانت ضمن الحقيبة التعليمية الأزهرية على حد تعبير المعاصرين، ولدينا في جامعة الأزهر قسم خاص للفلك في كلية العلوم، يخرج متخصصين في هذا المجال بعد دراسة علمية لمدة أربع سنوات.
وأوضح وكيل الأزهر أن هناك فرقا كبيرا بين الفلك والتنجيم، ولا يعني ظهور بعض أفراد على القنوات أو صفحات التواصل أو على صفحات الجرائد والمجلات يتكلمون في التنجيم، ويدعون معرفة أحداث المستقبل أن ذلك من صميم علم الفلك، فهذا ليس من علم الفلك الذي يعرفه المتخصصون، والذي تقوم على صيانته أقسام علمية راسخة.
وشدد وكيل الأزهر أن المتعلقين بالمنجمين الذين يدعون زورا أنهم علماء عليهم أن يراجعوا عقيدتهم وفكرهم وثقافتهم، فقانون الإيمان يقتضي منا أن نسلم لقدر الله، مع إيجابية كاملة وسعي بالأسباب وكأننا نملك كل شيء، وتوكل تام وتفويض كامل وكأننا لا نملك أي شيء، وعلم الفلك من العلوم المستقرة القواعد، والتي تفتح آفاق الكون، وتقود قاطرة تقدم البشرية، وليس أوهاما تستغل بها النفوس القلقة أو الحائرة، وتلك مشكلة عقدية فكرية ليس هذا مجالها، لكنها المعاني يدعو بعضها بعضا.
وتابع الدكتور الضويني أن علوم الآثار والفلك لها تعلق ليس بالحضارات الإنسانية فحسب، بل لها تعلق بالإنسان حتى قبل أن تكون حضارة بالمعنى الاصطلاحي المعروف؛ وبغض النظر عن شيوع التفكير الخرافي لدى إنسان ما قبل الحضارة إلا أن هذا الإنسان في فجر التاريخ كان له تعامل معها، بل ربما توقفت حركة حياته على غروب شمس، أو هطول مطر، أو صوت رعد!.
وأردف فضيلته أن المتأمل الحضارات الإنسانية يجد بينها وبين علوم الآثار والفلك علاقة وثيقة، وإن كانت بعض الحضارات تخلط بين الفلك والتنجيم، لكن يكفي أن التاريخ أشار إلى مراعاة الناس حركة الأفلاك والنجوم والأجرام في أحداث الحياة المهمة: في الزواج، وفي السفر، وفي الحرب، وفي الموت، وفي كثير من مجالات الحياة.
وأضاف الدكتور الضويني أن المتأمل حضارتنا الإسلامية فيكفي أن القرآن الكريم قد أورد بعض الإشارات الفلكية التي حركت أذهان العلماء إلى البحث والنظر والدراسة، ومن هذه الإشارات قول الله تعالى: «لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون»، وقوله: «يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج»، كما أن الله عز وجل أمر المسلمين أن يتجهوا إلى القبلة في صلواتهم، فقال: «فول وجهك شطر المسجد الحرام»، وتحديد اتجاه القبلة يتوقف على الفلك، خاصة في الأماكن غير المأهولة، أضف إلى هذا تحديد بدايات الشهور التي يتعلق بها الصيام والحج.
وبين وكيل الأزهر أن علم الفلك في ظل الحضارة الإسلامية اتخذ عدة أسماء، فتارة هو «علم الهيئة»، وتارة هو «علم الأنواء»، وتارة هو «علم التنجيم»؛ نظرا إلى ارتباطه بدراسة الأفلاك والنجوم، ولقد استطاعت الحضارة الإسلامية أن تستوعب ما سبقت إليه حضارات اليونان وفارس والهند، وترجموا كتبهم، وانطلقوا منها مؤلفين، ومضيفين ومبدعين، حتى بلغوا مرحلة الابتكار التي بلغت أوجها ابتداء من القرن الثالث الهجري وحتى منتصف القرن التاسع.
وأوضح الدكتور الضويني أننا لم نعقد هذا المؤتمر لبحث مواقيت الصلاة، وإن كان هذا مهما في ذاته؛ لتعلقه بمراد الحق من الخلق، ولكننا نستهدف بما يناقش فيه من أبحاث رصينة أن نخرج بقاعدة بيانات أولية توثق إسهامات العلماء في هذا المجال، وهو جانب يحتاج إلى مزيد من إلقاء الضوء؛ حتى يتعرف أبناؤنا على تاريخهم المشرق الذي تحاول أجندات مشبوهة أن تصوره لهم على أنه تاريخ مظلم.
واختتم وكيل الأزهر كلمته أننا نرجو أن يفتح المؤتمر بابا للتأمل والتفكر يصل بنا إلى إعادة قراءة بلادنا التي تكاد تنطق أركانها بتاريخ الحياة وعلومها، قراءة حضارية تأخذ من الماضي ما يضيف للحاضر ويعين على المستقبل، وننتظر أن تكون نتائج المؤتمر بابا جديدا لاقتصاد أثري فلكي مستدام، يتناول مجالات الحياة المهمة: زراعة وصناعة وتجارة، ويرجع على بلادنا بالخير والرخاء.