صادقت حكومة الحرب الإسرائيلية (كابنيت) على قرار اقتحام رفح بغية السيطرة على محور فلديلفيا، وتهجير اللاجئين القسري إلى سيناء -رغم الرفض المصري- والقضاء على كتائب القسام الأربع في جنوب القطاع.
العملية لن تكون سهلة؛ لوجود أكثر من مليون ونصف لاجئ فلسطيني يتعرضون لخطر الإبادة، ما سيعرض العملية برمتها للإدانة الدولية.
يأتي ذلك خلافاً لرؤية نتنياهو ومن ورائه اليمين المتطرف في الحكومة، في أن العائق البشري هو أهم أوراق الضغط على المقاومة، متوهماً بأن حماس تتمترس خلف هذه المجاميع البشرية. مع أنه يدرك تماماً بأن التلاحم بين المقاومة والشعب في غزة مصير مشترك أثبتته الشواهد.
من جهتها تتنصل أمريكا من العملية دون أن تعمل على وقفها ربما لغايات انتخابية، بينما تقوم مع 14 دولة أوروبية على وقف الدعم للأونروا التي تشكل عصب الحياة لقطاع غزة المحاصر من العدو والصديق.
وكما يبدو فإن نتنياهو يلعب يائساً بآخر أوراقه من خلال محاولة نقل الأزمة إلى مصر بترحيل اللاجئين القسري من رفح إلى سيناء في ظلِّ غياب موقف عربيّ موحد؛ لكنه ومن باب الحيطة والحذر فقد ترك نتنياهو باب المفاوضات بشأن تعديلات حماس على مقترح الهدنة الأخير الذي رفضه مبدئياً، موارباً، كملجئ أخير؛ بغية الخروج من مستنقع غزة، إذا ما وجد نفسه في نفق مغلق عديم الجدوى.
وكأن الهجوم على رفح الذي بدأ شرساً منذ أيام، سيكون أمل نتنياهو الأخير في نصر موهوم يبدو للخبراء والمراقبين عبر العالم مستحيلا.
بالنسبة لنتنياهو فهو لا يكترث بالضحايا من الفلسطينيين الذين عربد شيطانه في دمائهم من شمال القطاع حتى جنوبه منذ بداية الحرب، لولا الاختلاف الشكلي حول توقيت الهجوم وتوخي الحذر إزاء قرار المحكمة الدولية الذي يدين "إسرائيل" ويطالبها بتطبيق إجراءات السلامة التي تحافظ على الفلسطينيين في القطاع أثناء الهجوم.
وقد حصل الانقسام داخل الكابينت بعد الكمين المركب الذي نفذته المقاومة الموحدة يوم أمس، الأحد، ضد جيش الاحتلال جنوب شرق خان يونس، حيث تضمن عدة رسائل كان من شأنها أن تخلط الأوراق في وجه الكابينت الإسرائيلي، وقد نجم عنه عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف جيش الاحتلال، بدلالة ما نشرته هيئة البث الإسرائيلي الرسمي في أن "عملية نقل المصابين إلى المستشفيات الإسرائيلية استمر لساعات".
فعلى صعيد داخلي أججت العملية النوعية الخلافات في الكابينت الإسرائيلي وتشعبت الآراء -وفق الإعلام العبري- ما بين الهجوم المباشر على رفح دون الاكتراث بالمجاميع البشرية التي دفع بها الاحتلال من خلال ممارسة التطهير العرقي في عموم القطاع المدمر، إلى المخيمات في رفح وخان يونس.
أو الهجوم على رفح؛ مع توخي الحذر- ظاهرياً- انسجاماً مع قرارات المحكمة الدولية وموقف جو بايدن الأخير إزاء الإجراءات التي تؤمن سلامة الفلسطينيين مع وقوفه إلى جانب "إسرائيل" في ذلك الهجوم المدعوم أمريكياً بالمال والسلاح.
ويحاول جيش الاحتلال من خلال هجومه على رفح تحرير الرهائن الإسرائيليين الذيْن قُتِلَ اثنان منهم وفق بيانات المقاومة الأخيرة.. يأتي ذلك من باب التسويق الداخلي أو تجنب تعريضهم للخطر بغية تهدئة الراي العام الإسرائيلي.
ناهيك عن إنهاء الحرب بعد اجتثاث حماس من خلال تفكيك كتائب القسام الأربع العاملة بفاعلية في منطقة العمليات الجنوبية ( رفح وخان يونس).
أما بالنسبة للتسويق الخارجي فضرورة التوافق مع رؤية الرئيس الأمريكي جو بايدن، وذلك من خلال التأكد قبل التخطيط للهجوم على رفح من سلامة البشر؛ لأن غزة باتت تؤثر سلبياً على بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على نحو ما جرى مؤخراً في ولاية جورجيا حيث أصدر السود الأمريكيون (يشكلون ثلث سكان الولاية) بياناً يؤيد إيقاف الدعم لجيش الاحتلال الإسرائيلي مقابل دعمهم المفتوح للديمقراطيين في الانتخابات المقبلة.
وكانت الولاية قد الغت في وقت سابق، تشريعا يدين حركة المقاطعة ل"إسرائيل" (BDS) وفق موقع "ميدل إيست آي" الإخباري البريطاني.
إلى جانب ذلك تملص "إسرائيل"من ضغوطات مجلس الأمن حيث أوقف الفيتو الأمريكيُّ المقترحَ الجزائريَّ بشأن "التدابير المؤقتة" التي طلبها قرار محكمة الجنايات الدولية، من "إسرائيل" التي أدينت لارتكابها إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر.
طبعاً الكابينت الذي هزئ من القرار الدولي سيلجأ للطرق الملتوية والتضليل الإعلامي لتسويق إجراءات جيش الاحتلال التضليلية. التي لن تحجب جرائمه في خان يونس ومستشفى النصر يوم أمس.
وكما ذكرنا آنفاً فقد تعرض جيش الاحتلال لكمين نوعي نفذته فصائل المقاومة الموحدة في جنوب شرق رفح ضد جيش الاحتلال وإصابة أعداد كبيرة من من الجنود ما بين قتيل وجريح، حيث استمر نقل المصابين (قتلى وجرحى) في غضون ساعات عن طريق المروحيات.. ويبدو أن الكمين-وفق تقديرات خبراء عسكريين- تنوع ما بين تفجير مبنى يستحكم به جنود إسرائيليون ومحاصرة قوات أخرى إلى جانب استدراج عدد غير محدد منهم إلى نفق مفخخ تم تفجيره؟
وأضافت هيئة البث الإسرائيلية أن "الجيش قد يصدر توضيحاً بخصوص ما جرى في خان يونس ".
طبعاً البيان الإسرائيلي المنتظر سيحتوي على أخبار مضللة كدأب ما يفعله الإعلام الإسرائيلي إزاء هزائم جيش الاحتلال، الذي يتعرض لحرب استنزاف تتواجه في أتونها العقول والإرادات، حيث تميل كفتها وفق الشواهد والبيانا إلى المقاومة.
وكانت حركة حماس وبالنيابة عن فصائل المقاومة في غزة قد ردت على مقترح الهدنة الفرنسي القطري المصري من خلال إجراء بعض التعديلات للتوصل إلى هدنة تامة ومستدامة على 3 مراحل، تستمر كل مرحلة 45 يوما، وتشمل: التوافق على تبادل الأسرى وجثامين الموتى، وإنهاء الحصار، وإعادة الإعمار.
وهي تعديلات رفضها نتنياهو فيما ترك الباب موارباً حتى لا يفقد الأمل في مخرج له من مأزق غزة الخانق.
وقد وضع نتنياهو كل أوراقه في "سلة" الهجوم على رفح؛ ولكن المقاومة فاجأته بالكمين الذي صدم قيادة الكابينت وبعثر الأوراق في وجهها المربد المكفهر.. هذا ديدن حرب الإرادات التي لا ينهزم فيها صاحب الحق حينما يختار طريقه بثبات.