تعتبر مجالس البدو وأبناء القبائل مدارس للجيل، يتعلم منها الأصول والعادات التي تلزم على الفرد إتباعها والتقيد بها، وتعتبر بمثابة قوانين وضوابط لأفراد القبيلة، وتعتبر أيضاَ مرجع وموروث لا يتغير ولا يتم تجاوزه تحت أي ظرف، لأن الفرد معرض للمحاسبة على أي تجاوز على تلك المنظومة القانونية والاخلاقية.
ومن هذه العادات القهوة العربية حيث تعتبر شراب مقدس لدى البدو، فهي المدخل لحل أكبر المشاكل تعقيداً، وتعتبر القهوة رمزاَ للنخوة والرجولة والسلام بين الناس.
وتدار القهوة على كبار السن أو من يرأس الجاهة، أو الشيخ، أو الضيف، حيث تعتبر القهوة "خص والشاي قص" حسب الموروث الشعبي في آداب الطعام والشراب، أي يوزيع الشاي من بداية المجلس لآخره بغض النظر عن عمر الجالسين على عكس القهوة.
وتمسك الدلة باليد اليسرى والفنجان باليد اليمنى، ويقدم للضيف ضمن طقوس احترام بين من يصب القهوة والضيف.
أنواع الفنجان:
ـ فنجان الهيف : وهو الفنجان الأول الذي يشربه المعزب قبل أن يصب للضيوف وذلك حتى يطمئن المعزب بأن القهوة خالية من أية عيوب وحتى يطمئن الضيف بأن القهوة خالية من السم مثلاً كطقس أمان بين المعزب والضيف .
ـ فنجان الضيف : وهو الفنجان الأول الذي يصب للضيف وهو عبارة عن العيش والملح بين الضيف والمعزب .
ـ فنجان الكيف : وهو الفنجان الثاني الذي يصب للضيف وهو بمثابة الكيف والتمتع بالقهوة .
ـ فنجان السيف : وهو الفنجان الثالث الذي يصب للضيف وهو كناية عن إلتزام الضيف بالدفاع عن المعازيب في حالة حدوث اعتداء عليهم، وهو بمثابة عيب في حقه إذا لم يقم بذلك، وخاصة إذا كانت صاحبة البيت امرأة زوجها غائب فيلزم على الضيف حمايتها ورد أي مكروه يحدث.
فإذا شرب الفنجان الأول ولم يشرب الثاني فهو ليس صاحب كيف ولذة، وهذا يحدث لمن لديه مشكلة كبيرة، وإذا شرب الأول والثاني ولم يشرب الثالث فهو جبان لا يستطيع أن يدافع عن المعازيب وعن نفسه وهنا تظهر فراسة العرب في معرفة ضيوفهم. وأيضا يحق للضيف انتقاد القهوة إن حصل فيها عيوب مثل أن تكون وقعت فيها حشرات ويقال لها قهوة صايدة.
وختاماَ فإن القهوة العربية تعتبر من أجمل الطقوس في الموروث الشعبي، فهي تبث السعادة والأمان بين أبناء القبائل الأردنية، وليس صحيحاَ أنها المشاكل والمظالم تحل بفنجان قهوة، وتذهب الحقوق دون عقاب للجاني، أو الأفراد الذين تجاوزوا على الأمن المجتمعي، فهي موثق ممن تدخلوا لحل المشكلة بأن الحق سيأخذ مجراه، لذلك نحن نعتز بعاداتنا وتقاليدنا التي تطور من كيان المجتمع والقبيلة، وتتوائم مع القوانين الناظمة، بصفتها منبثقة من إجماع وإقرار جميع أطراف السلم المجتمعي لها.