في الوقت الذي تتواصل فيه حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المنكوب لليوم الـ 142، مرتكباً خلالها 2600 مجزرة راح ضحيتها نحو 30 ألف شهيد وعشرات آلاف الجرحى، يستذكر الفلسطينيون اليوم مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف التي ارتكبها مستوطن إرهابي في مثل هذا اليوم قبل 30 عاماً، وأسفرت عن استشهاد وجرح العشرات.
فجر الخامس والعشرين من شباط عام 1994، اقتحم الإرهابي باروخ غولدشتاين الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بالضفة الغربية بحماية قوات الاحتلال، وأطلق النار على نحو 500 فلسطيني كانوا يؤدون صلاة الفجر، ما أدى إلى استشهاد 29 منهم وإصابة العشرات، وذكر فلسطينيون نجوا من المجزرة أن قوات الاحتلال ساعدت الإرهابي غولدشتاين في تعبئة الذخيرة التي احتوت رصاصاً متفجراً اخترقت شظاياه رؤوس المصلين وأجسادهم.
قوات الاحتلال أغلقت أبواب الحرم لمنع المصلين من الخروج، ومنعت المسعفين والقادمين من خارج الحرم من الوصول إلى باحاته لإنقاذ الجرحى، وأثناء تشييع الضحايا أطلقت الرصاص على المشيعين فارتفع عدد الشهداء إلى 50 والجرحى إلى 150، لتعم المظاهرات مدينة الخليل وكل مدن وبلدات الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، فقمعتها قوات الاحتلال بالرصاص ليصل عدد الشهداء إلى 60 والجرحى إلى المئات.
وإثر المجزرة أغلقت قوات الاحتلال الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة في الخليل لمدة ستة أشهر، وفرضت واقعاً صعباً على حياة الأهالي في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على الحرم، واستولت على الجزء الأكبر منه بهدف تهويده، كما وضعت كاميرات وبوابات إلكترونية على جميع مداخله، وأغلقت معظم الطرق المؤدية إليه أمام الفلسطينيين، باستثناء بوابة واحدة عليها إجراءات عسكرية مشددة، إضافة إلى إغلاق سوق الحسبة، وخاني الخليل وشاهين، وشارعي الشهداء والسهلة، وبهذه الإجراءات فصلت المدينة والبلدة القديمة عن محيطها.
الفلسطينيون يؤكدون أن المجزرة التي ارتكبها الإرهابي غولدشتاين ليست جنوناً فردياً كما ادعى الاحتلال، لأن شخصاً مجنوناً لا يمكن أن يكون قادراً على حساب التفاصيل بدقة والتخطيط لها، فاختيار الخليل وبالذات الحرم الإبراهيمي، وتحديداً فجر يوم الجمعة من رمضان، ولحظة سجود المصلين لتكون لحظة القتل، لا يمكن أن تكون اختيار شخص مجنون، وما يؤكد ذلك أن قوات الاحتلال لم توقف الإرهابي على بوابات الحرم ومداخله، كما أنه استطاع الوصول بسهولة إلى المصلى، وإطلاق صليات من الرصاص لمدة 10 دقائق دون تدخل منها، حيث تركته ينفذ مجزرته كاملة.
انتهاكات وممارسات قوات الاحتلال ومستوطنيه في مدينة الخليل لم تتوقف، فقد زرعت فيها عدداً من البؤر الاستيطانية وأغلقت شوارعها، وارتكبت فيها أفظع الانتهاكات لحقوق الإنسان من قتل وتدمير وحظر للتجوال، وحصار اقتصادي متواصل أدى إلى شل الحركة التجارية في أسواقها القديمة، كما تستمر الاعتداءات على ممتلكات أهلها بهدم المباني الأثرية والتاريخية في أبشع مذبحة تستهدف طمس معالمها الحضارية وتغيير هويتها العربية الإسلامية، وبشق طريق استيطاني يربط مستوطنة (كريات أربع) شرق الخليل بالحرم الإبراهيمي الشريف وجميع البؤر الاستيطانية بهدف تهويد المدينة، فيما يكتفي المجتمع الدولي بالمراقبة عن بعد دون أن يحرك ساكناً.