منذ اندلاع حرب غزة وما سبقها من تداعيات لعملية طوفان الأقصى وهناك الكثير من المطالب التي وجهتها بعض من الدوائر سواء السياسية أو الإعلامية لمصر ، والتي تتلخص في أهمية وضرورة وجود قناة ناطقة لمصر باللغة الإنجليزية ، وهي القناة التي ستوضح رؤية مصر للعالم من خلال اللغة الأكثر انتشارا بالكون وهي الإنجليزية ، فضلا عن إمكانية تحقيق هذا الانتشار في بعض من الدوائر الرسمية التي ترغب القاهرة في نقل الرسالة إليها بلغتها الأم.
وبالفعل تم توجيه واحده من القيادات الإعلامية (ذات الطابع الأمني) لبحث هذه القضية وتحديدا التكلفة المادية لتدشين مثل هذه القناة ، غير آن النتيجة كانت غير معتادة من ناحية التكاليف ، وقالت هذه القيادة في تقرير وصل أعلى سلطة بالبلاد نصا ما يلي : "الولايات المتحدة الأميركية ومعها بعض من الدول الأوروبية الأخرى تفرض رسوما مالية على الكثير من القنوات من أجل وضعها في الباقات الإخبارية المختلفة ، وبالتالي ستكون التكلفة باهظة للغاية"
التكلفة لم تتوقف عند هذا الحد ولكنها أيضا وصلت إلى نقطة في منتهى الدقة تتعلق بـــ:
1-أجور المذيعين باللغة الإنجليزية ممن سيتقاضون اكثر من ٣ أو ٤ أضعاف الأجور التي يتقاضاها الصحفي مثلا في قناة القاهرة الإخبارية (التي باتت الآن الصوت شبه الرسمي لمصر)
2-أجور المعد الصحفي باللغة الإنجليزية يتكون في حدود أربعه أضعاف ما يتقاضاه أيضا المعد الصحفي البسيط سواء في قنوات ماسبيرو أو أي قناة رسمية مصرية أخرى
3- أجور الفني أو المهندس الواحد من صوت وإضاءة من العاملين في هذه القنوات ستكون بالفعل أكثر كثيرا من فريق كامل في أي قناة مصرية
من هنا تم التنازل عن هذه الفكرة ولكن تم تعويضها بطرح مصدر مصري يتحدث لصحيفة كبرى يتابعها العالم ويغلب عليها الطابع الاستخباراتي ، وهنا كانت المفاضلة بين :
1-وول ستريت غورنال
2-واشنطن بوست
3-نيويورك تايمز
4-مجلة تايم
5-بعض من الصحف البريطانية
وتم الاستقرار على صحيفة وول ستريت غورنال لعدة أسباب ومنها :
أ- أن حجم الانتقادات التي تعرض لها شخص الرئيس المصري في الصحف العالمية الكبرى ليس بالقليل ، ومن المعيب أن تفتح مصر خط صحفي مع صحف سبق وانتقدت أعلى سلطة بالدولة ، ومن هنا كان الرهان على وول ستريت غورنال لعدة أسباب ومنها:
1-أن الصحيفة تحظ بتواجد متميز على الساحة الصحفية
2-أن الصحيفة لها علاقات بجهات عربية وخليجية ترتبط بعلاقات طيبة مع مصر
3-حجم التسريب السياسي أو الأمني المصري سيكون متميزا مع هذه الصحيفة
تسريبات صحفية
وبالفعل عملت مصر جديا على التواصل الصحفي مع وول ستريت غورنال وسرب لها مصدر أمني مصري عدد من الأخبار ، وهي الأخبار التي تعرضها في نفس الوقت جميع القنوات المصرية الرسمية لتأكيد مصداقية حديث المصدر المصري للصحيفة الأميركية، وهو ما وضح مع نموذجين لتصريحات هذا المصدر كان أخرها وأبرزها :
(أ)تهديد مصري بإلغاء معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل في ظل توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل
(ب) حديث مصري عن نية القاهرة إرسال المعونات واسقاطها على غزة رغما عن إسرائيل أو أي طرف آخر
بالنسبة للنقطة الأولى المتعلقة بالتهديد المصري بإلغاء معاهدة كامب ديفيد كان واضحا تماما أنه حقق أهدافه على الساحة الإسرائيلية ، بصورة أذهلت بعض من ضباط الاستخبارات في إسرائيل ذاتها من العاملين في الإدارات التابعة ل مصر والمنشغلين حاليا بتداعيات عملية غزة ، وجاء تناول الصحف والقنوات الإسرائيلية لهذا التهديد :
1-واسع الانتشار
2-هدد نتنياهو شخصيا
3-عقد نتنياهو بعد هذا التسريب اجتماعا مع قيادات أمنية عليا في إسرائيل ، وهو الاجتماع الذي نصحه فيه بعض من كبار القيادات بالهدوء حاليا بدلا من القيام بأي تصعيد لا جدوى منه مع المصريين .
في الخلاصة جاءت التجربة الأولى المتعلقة بتسريب تهديد مصري بإلغاء معاهدة السلام (كامب ديفيد) مع إسرائيل متميزة وجيدة وحققت الهدف منها ، وأصابت أوساطا إسرائيلية بالقلق.
ولا يمكن بالطبع الآن الحكم على الشق الثاني من التهديد المتعلق بالإصرار المصري على إنزال المعونات جوا وتأثيره على الساحة الإسرائيلية، خاصة مع حداثته وعدم التفات إسرائيل له كثيرا لآنه وببساطه جاء متزامنا مع تهديد أميركي مماثل بإرسال المعونات عبر البحر .
غير آن هناك تقدير أمني صدر أخيرا قال نصا أن هناك حالة من الاستغراب الواضح في صفوف بعض من الأوساط الدبلوماسية المصرية الرسمية بسبب التعاطي المصري مع صحيفة وول ستريت غورنال بسبب:
1-العصبية الواضحة لهذا المصدر في الحديث عن قضايا تتعلق بالأمن القومي المصري ، والقاهرة منذ قديم التاريخ تحافظ دوما على معاهداتها السياسية (باستثناء فترة عام ١٩٥٢ عندما قام عدد من الضباط بانقلاب سياسي على الحكم واستولوا على السلطة وألغوا غالبية المعاهدات التي وقعها النظام الملكي المصري مع العالم )
2-من الواضح أن هذه التصريحات تمثل مناورة ، إلا آن هذه المناورة تتم :
أ-بدون تنسيق مع الخارجية المصرية
ب-بدون الرجوع لبعض من الخبراء في هذا الملف
تقدير موقف
عموما إسرائيل تعلم ذلك ، وتعلم تماما أن أحد أسباب هذه التسريبات ليس فقط إرسال رسائل لإسرائيل ولكن أيضا امتصاص غضب الشارع الثائر والغاضب مما يحصل في غزة ، ومن هنا تعقدت الأزمة الناجمة عن التصريحات ، وسيمثل المسار المستقبلي للتعاطي الإسرائيلي معها برودة وعدم تفاعل ، في ظل تواصل تداعيات حرب غزة وتوقع استمرارها لعدة أسابيع على الأقل .